في ظاهرة هي الاولى من نوعها في العراق يتحالف حزب ديني مع اخر شيوعي، اذ تحالف التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر مع الحزب الشيوعي العراقي الذي انتقده البعض لكونهما مختلفين في الرؤى والعقيدة بينما رأوه البعض الاخر بانه اجراء صحي لنبذ الطائفية في البلد، للمنافسة في الانتخابات البرلمانية المقرر اجراؤها في الـ 12 من ايار المقبل.
حتى الآن لا يمكن التكهن بما سيحصل عليه التحالف بين الصدر والحزب الشيوعي من مقاعد نيابية في الانتخابات، فالكثير من أنصار الصدر انتقدوا التحالف، كما أن الحزب الشيوعي خسر بعض جمهوره بسبب تحالفه مع حركة دينيةً.
وتشهد عدد من دول العالم اجراء انتخابات ومن ضمنها روسيا ، الا ان المصادفة في ذلك ان الحزب الشيوعي في روسيا تحالف مع مرشح الرئاسة المنافس لبوتين بافل غرودنين الذي يعني باللغة العربية عند ترجمته حرفيا (الصدر)، مما اثار استغراب الكثير من العراقيين من الصدفة التي جمعت تحالف الحزب الشيوعي في العراق مع زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر وفي روسيا الحزب الشيوعي الروسي مع مرشح الرئاسة الروسية الصدر.
ناشطون في مواقع التواصل الاجتماعي سخروا من المصادفة التي لم يكن احد يتوقعها وهو تحالف الصدر مع الشيوعيين في العراق وتحالف الصدر مع الشيوعيين في روسيا ، قائلين “ذهب السيد الصدر الى روسيا ليتحالف مع الشيوعيين”.
وبالرغم من خسارة غرودنين بفارق كبير عن الرئيس المنتخب بوتين، إلا أنه (أي گرودنين) تقدم في انتخابات هذا العام على زعيم اليمين، رئيس الحزب الليبرالي جيرينوفسكي بحصوله على نسبة ١١.٧٧٪ من الأصوات.
واعتبر المرشح الرئاسي عن الحزب الشيوعي بافيل غرودينين الانتخابات الرئاسية التي جرت في روسيا الأحد الماضي، غير نزيهة.
وقال غرودينين في مؤتمر صحفي داخل المقر الانتخابي لحملته إنه “من الواضح أن فرز الأصوات والعملية الانتخابية بشكل عام كانت غير نزيهة، وبعد أن نقوم بفرز الأصوات نهائيا، سنتخذ قرارات محددة”.
تجدر الإشارة إلى أن هذه هي المرة الثانية في تاريخ الحزب الشيوعي التي يرشح فيها الحزب شخصا آخر، غير زعيم الحزب غينادي زيوغانوف، للرئاسة الروسية. وهي الأولى التي يرشح فيها شخص غير عضو في الحزب.
اما زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر فقد قرر الدخول في الانتخابات المقبلة عبر تأسيس حزب جديد باسم “استقامة” بدلا عن اسم “الأحرار”، وتقارب مع أحزاب يسارية وليبرالية ضمن تحالف انتخابي تحت اسم “سائرون نحو الإصلاح” وهو الشعار الذي تبناه الصدر عندما قرر الانضمام الى التظاهرات السلمية التي يقودها الحزب الشيوعي وحركات مدنية منذ ثلاثة أعوام.
وبذلك جدد الصدر قطيعته مع الاحزاب الشيعية، وهاجم التحالف المؤقت الذي جمع رئيس الوزراء حيدر العبادي ووصفه بالطائفي، لكن الصدر في المقابل تعرض لموجة انتقادات شديدة من قبل انصاره وأعدائه بسبب تحالفه مع الشيوعيين.
الصدر رد على الانتقادات ضده في بيان قال فيه: “إذا تحالفنا مع الشيعة قالوا هذا طائفي، وان تحالفنا مع السنة قالوا عني وهابي وسعودي وبعثي، وان تحالفنا مع المدنيين قالوا أصبح شيوعيا، وان تحالفنا مع الأحزاب القريبة من إيران قالوا صفوي إيراني، وان تحالفنا مع الأحزاب القريبة من العرب قالوا عميل، أنا سأشارك في الانتخابات من اجل العراق وإبعاد الأصوات المتطرفة ودعم الأصوات المعتدلة لدعم الاصلاح والقضاء على الفساد والإرهاب”.
تحالف “سائرون نحو الاصلاح” الذي يقوده الصدر يضم ستة أحزاب أبرزها حزب الاستقامة”، والحزب الشيوعي العراقي العريق، و”التجمع الجمهوري العراقي” بزعامة سعد عاصم الجنابي رجل الأعمال السني المعروف بتوجهاته القومية، كل هذه القوى غير المتجانسة فكريا توحدت في تحالف واحد.
القيادي في الحزب الشيوعي جاسم الحلفي يقول ان “الهدف من تشكيل تحالف سائرون هو تغيير موازين القوى نحو اضعاف احزاب المحاصصة الطائفية، ومحاصرة الفاسدين، وحشد قاعدة اجتماعية ذات مصلحة في التغيير، وهذه الأهداف المهمة هي التي جمعت أحزاباً مختلفة فكريا في تحالف واحد”.
ويضيف الحلفي ان “التحالف يسعى الى تبني مطالب التظاهرات التي انطلقت قبل ثلاثة اعوام، والمدافعة عن مصالح الجماهیر الشعبیة، فالمتظاهرون على مدى السنوات الماضية لم يكن لهم تمثيل سياسي مؤثر في الحكومة والبرلمان ولهذا لا احد كان يكترث لهم”.
في (31) تموز (يوليو) العام 2015 انطلقت تظاهرات شعبية واسعة في ساحة التحرير وسط العاصمة بغداد بتحشيد من الحزب الشيوعي والقوى السياسية المدنية في البلاد تطالب بإصلاح العملية السياسية وانهاء المحاصصة الطائفية والفساد، وتمددت الاحتجاجات إلى المحافظات جنوب البلاد.
بعد أشهر من التظاهرات تراجع عدد المتظاهرين وكادت تتوقف، إلا ان مقتدى الصدر غير المعادلة عندما دعا الآلاف من انصاره للانضمام الى التظاهرات في نيسان (ابريل) العام 2016 لتعود الاحتجاجات أقوى مما كانت عليه حتى وصلت الى داخل المنطقة الخضراء المحصنة في حدث تاريخي لن ينساه العراقيون، ومنذ ذلك الحين لاحت بوادر تحالف نادر بين حركة إسلامية شيعية وحركة مدنية تتبنى العلمانية والدولة المدنية.
ويؤكد عضو الحزب الشيوعي طه رشيد ذلك، وقال ان “التحالف الانتخابي بين حزبنا والتيار الصدري لم يحصل فجأة، بل جاء بعد نضال مشترك ضد الفساد في ساحات التظاهرات من اجل العمل على تحقيق اصلاح حقيقي وتحقيق دولة مدنية”.
كما أن هناك نقاطاً مشتركة أخرى تجمع الطرفين، أبرزها العداء لرئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، فالتيار الصدري يعتبر ألدّ أعداء المالكي ويصفه مقتدى الصدر دائما بالدكتاتور، كما ان اللجان التنسيقية للتظاهرات تكنّ عداءً قديما للمالكي يعود الى اول حراك شعبي جرى في 25 شباط (فبراير) 2011 عندما استخدم رئيس الوزراء الجيش والطائرات لضرب المتظاهرين العزل واعتقالهم.
ولكن التحالف بين الصدر والشيوعيين كانت له آثار جانبية أيضا، بعض القوى والاحزاب المدنية التي كانت الى جانب الحزب الشيوعي خلال الانتخابات التشريعية السابقة رفضوا التحالف مع التيار الصدري، وقرروا المشاركة في الانتخابات بشكل مستقل وابرز قادتهم النائبان فائق الشيخ علي وشروق العبايجي الذين اعتبروا ان من المستحيل ان يجتمع تيار ديني مع حركة مدنية.