تتضارب تفسيرات العراقيين حول سرّ الخلل الحاصل في شبكة الإنترنت في العاصمة، بغداد، وأربع عشرة محافظة أخرى. فمنذ أكثر من عشرين يوماً والشبكة العنكبوتية تشهد أسوأ مرحلة مرّت بها منذ عام 2003. ومع تزايد تصريحات المسؤولين والبيانات الرسمية عن أسباب المشكلة، تزداد حيرة المواطنين، ولا سيما العاملين بمجال الاتصالات ووسائل الإعلام، والذين تُشكّل لهم الإنترنت، شريان الحياة.
وكانت وزارة الاتصالات العراقية قد أعلنت في 24 يناير/كانون الثاني، عن حدوث “قطع مفاجئ في الكابل البحري (GBI)مما يؤثر على خدمات الإنترنت”، مبينةً في بيان صدر عن مكتبها، أنّ “القطع حدث في الخليج العربي تحت سطح البحر على مسافة 130 كم من دولة قطر باتجاه البحرين“.
ولفتت إلى أنها “تنتظر إجابة الشركة الأجنبية (GBI) المشغلة للكابل لمعرفة المدة التي سوف تستغرقها عملية إصلاح القطع الذي حصل لضمان رجوع خدمة الإنترنت بجودة عالية“.
تهريب سعات
وجاء بيان الوزارة بعد أن كشفت النائبة عن “التحالف الوطني” هدى سجاد، عن ضبط أكبر عملية لتهريب سعات الإنترنت في العراق. إذ شرحت في بيان أنّ التهريب تم “من قبل هيئة النزاهة وبالتنسيق مع مكتب المفتش العام في محافظة كركوك“.
وأضافت أنّه “تم ضبط قيام شركة /سمفوني ايرثلنك/ بتشغيل المشروع وتهريب 40 لمدا (وحدة قياس للإنترنت، خاصة بحزم الإنترنت الضوئية القادمة عبر الكابلات البحرية) وكذلك تم ضبط شركة iQ وقيامها بتهريب /7 لمدا/ لـ 34 شركة، قيمة اللمدا الواحدة مليون دولار شهرياً. وهذا يعني أنّ هنالك تهريباً لـ 47 لمدا في كركوك وحدها بقيمة تصل لــ47 مليون دولار شهرياً”، مشيرةً إلى أنّ “العملية جاءت بعد قيام هذه الشركات بالتهريب، ما أدى إلى خسارة تقدر بملايين الدولارات“.
يُشار إلى أنّ الكابل البحري الذي يغذي العراق بخدمة الإنترنت يمتد مساره من مدينة الفاو (أقصى جنوب البلاد) إلى الخليج العربي ثم البحر الأحمر وإلى قناة السويس والبحر المتوسط ومنه إلى أوروبا.
خلل تقني مستمر
في الوقت الذي كشفت فيه مصادر مسؤولة عن عدم وجود أي قطع في كابل الإنترنت، وأنّ الأزمة مصدرها “تأثيرات سياسية” لإسكات المطالبين بمقاطعة الانتخابات من خلال حملاتهم الإلكترونية على مواقع التواصل الاجتماعي، يُشير برلمانيون إلى أنّ الخلل سيستمر لعشرة أيام إضافية، فيما تؤكد وزارة الاتصالات أنّها تعتزم عقد اجتماع موسع لحل المشكلة وتفسير مصادرها.
وقال المتحدث باسم وزارة الاتصالات حازم محمد، إنّ “الوزارة بصدد عقد اجتماع موسع يضم مسؤولين من دوائر مختلفة، يديرها الوزير حسن الراشد”، مبيناً أن “يوم الاثنين، سيتم فيه استعراض مفاصل المشكلة من خلال خارطة كاملة تتضمن أسباب الأزمة ومدى إمكانية حلها“.
وأضاف أنّ “الاجتماع سيتضمن أيضاً البحث في ما يتردد على لسان بعض البرلمانيين، عن تهريب وبيع سعات الإنترنت إلى شركات ودول مجاورة“.
من جانبه، أكد رئيس لجنة الخدمات في البرلمان العراقي، ناظم الساعدي، أنّ “القطع والخلل الفني الحاصل بالكابل الضوئي، أدى إلى ضعف شبكة الإنترنت في العراق منذ أقل من شهر، وسيستمر إلى عشرة أيام إضافية، بحسب اتصال شخصي مع وزير الاتصالات“.
وقال ، “إذا لم تقدم الوزارة حلاً لمشكلة الإنترنت خلال عشرة أيام، سنحاسبها في البرلمان”، مستبعداً أن يكون عامل التأثير السياسي على علاقة بالأزمة، مبيناً أنه “لا يمكن للتأثير السياسي أن يكون له دور في الخلل التقني الحاصل بالخدمة، فكيف لسياسي عراقي، مثلاً، أن يقطع كابلا ضوئيا في قاع بحر بعيد“.
الانتخابات ومواقع التواصل
في موازاة ذلك، كشف مصدر مسؤول في وزارة الاتصالات، عن وجود تدخل سياسي يتألف من جهات متعددة لتخفيض سرعة الإنترنت في بغداد وبعض المحافظات، لإسكات لأصوات الناشطين الداعين إلى مقاطعة الانتخابات المقبلة، وصدّ حملتهم الإعلامية التي تؤثر على مستقبلهم في الانتخابات.
وقال المصدر الذي اشترط عدم ذكر اسمه، أنّ “إرادة سياسية تتلاعب بقوة الإنترنت في بغداد والمحافظات الباقية عدا إقليم كردستان، للضغط على حملات الناشطين المناهضة للانتخابات”، مبيناً أنّ “مسألة الكابل الضوئي ما هي إلا خدعة تمارسها وزارة الاتصالات على الناس“.
وأضاف أنّ “رواية القطع بالكابل لو كانت صحيحة لسمعنا أخباراً تفيد بضعف الخدمة في بلدان تعتمد على نفس الكابل”، لافتاً إلى “احتمالية بقاء الخدمة ضعيفة إلى ما بعد الانتخابات المقرر إجراؤها في أيار/ مايو المقبل“.
وكشف عن وجود “تحرك سياسي جديد، لحظر مواقع التواصل الاجتماعي من خلال الضغط على وزارة الاتصالات وهيئة الإعلام والاتصالات التابعة لوزارة الثقافة، لما تبقى من عمر هذه الحكومة، بالاعتماد على نفس الذريعة، وهي القطع الحاصل بالكابل الضوئي