ديمقراطيات فاشلة
الكاتب عدنان ابو زيد
تَبَنّي الديمقراطية، رمزا ونظاما، لم يعد كافيا، ذلك انّ التطبيق هو الذي يحسم النتائج، اذ طالما اسرفت أحزاب وأبحاث في النظريات، التي ما انْ توضع على المحك، حتى تُدرَك انعدامية آلياتها، وعد قدرتها على تلبية التطلعات.
نظم ديمقراطية كثيرة حول العالم، يتقوّض الكثير منها عند مفترق التنظير والتطبيق، وفي بعض الدول فان ارتباك المواقف بسبب سوء تنفيذ النظرية الديمقراطية، جعل الشعوب تندم على خيارها السياسي هذا، لتعود تواقة الى نظام شمولي، بل وحتى إلى حكم العسكر.
الاختلال الأكبر يُرصد في ديمقراطيات العالم الثالث، في الميلان عن أخلاقيات الديمقراطية، وتأزيم ولادة نظام سياسي قادر على تحقيق الاستقرار، لتتحول منتجات الديمقراطية، على شاكلة شركة تعترف بوجود خلل فني في سياراتها وهي مضطرة اليوم لسحبها من الأسواق العالمية، بسبب تزعزع ثقة المستهلك بمنتجاتها.
في أدبيات السياسة، فان الديمقراطية أضحت تفاحة مُتخيّلة لكنها غير قابلة للقطف، ليعيش الشعب في حالة من الأخيلة الافتراضية، حيث الجميع يتغنى بالديمقراطية، لكنه لا يتذوق ثمارها، معتقدا انها سوق تنضج، يوما ما.
في غينيا الاستوائية، قال المراقبون الدوليون، ان الديمقراطية خائبة تماما، ولم يعبد يعبأ لها الشعب ما يدفعه ضد نظام سياسي هتف له وحلم به من قبل.
غينيا بيساو تتبجّح بديمقراطية شكلية سمحت بتداول منصب الرئاسة فيها منذ العام 1979، لكن الشعب يمضي الى الانتخابات مًكرها لأنه يدرك النتيجة من قبل.
وانتقل الزعيم موغابي في زيمبابوي عبر آليات ديمقراطية هزيلة من جبهات التحرير إلى سدّة الرئاسة، ليحكم الى الأبد.
ويحدث في جمهورية الكونغو الديمقراطية، وفي جيبوتي، وفي تشاد وفيتنام أوغندا، ان الأحزاب تتقاسم الأصوات، بعد التلاعب بصناديق الاقتراع.
وبلغ الفشل ذروته، بعزوف وسائل الاعلام الحر، والمنظمات المراقِبة العالمية عن الحضور الى دول الديمقراطيات الصورية، لأنها تجد في ذلك، مضيعة للجهد والوقت، ومساهمة في تسويق استبداديات حقيقية، ففي فنزويلا، فان مقاييس فريدوم هاوس لا تمنح ديمقراطيتها، درجات النجاح الكافية.
بولندا ما بعد الشيوعية، لم تنجح في ديمقراطيتها، بعد تناسل احزاب سياسية تبحث عن مصالحها، وتمخض عن ذلك
اقتصاد منهك، ما دفع الشعب في استطلاع، الى الإعراب عن ندمه على النظام الديمقراطي، وفي العام ٢٠١٢ بلغت نسبة الذين يؤيدون الحكم العسكري، 22%.
لبنان، مثال لديمقراطيات عربية، تتبنى التقسيمات المذهبية والقومية في تقاسم السلطة، تحوّل فيه النظام السياسي، الى تعبير عن الكانتونات، التي تقسّم الشعب، وليس عن الوطن الموحد، فضلا عن ان ديمقراطيته طوال عقود لم تحقق استقرار سياسيا واقتصاديا.
وفي العام ٢٠١٨، غابت كل الدول العربية عن قائمة التقرير السنوي لمجلة الايكونومست عن الديمقراطيات الحقيقية في العالم.
وفي الديمقراطيات العريقة، اطل الوجوم بين ثنايا الأزمات أيضا، وعلى رغم انه لم يتهدد الأنظمة كما في فرنسا حيث
الاضطرابات العمالية والوظيفية، وفي خروج بريطانيا الذي أدى التصويت الديمقراطي على خروجها من الاتحاد الأوروبي، الى انقسام مجتمعي.
وعلى رغم من رواج الديمقراطية بين البلدان، من 11 ديمقراطية فقط في العام 1900، إلى 86 دولة في العام 2006، فان الباحث الأمريكي ياشا مونك في جامعة هارفارد، يذهب الى القول بان ثقة الشعوب بالديمقراطيات، في أدنى مستوياتها حتى في معاقلها التاريخية، مثل الولايات المتحدة الامريكية، حيث بات انتخاب دونالد ترامب، نوعا من القصص الخيالية في تاريخ الديمقراطيات، والدليل على تراجع الليبرالية الغربية.
وبجواب بسيط، يرى مونك ان الكراهية للديمقراطية تدب في نفوس الناس لان النظام لم يعد يفي بوعوده الأساسية، في ترجمة الإرادة الشعبية إلى سياسات عامة.
والسؤال، ما إذا كانت الفرصة سانحة الى الان، في اقناع الناس بأن الديمقراطية الليبرالية، رغم كل عيوبها، لا تزال هي النظام الأفضل لتنظيم المجتمع.