في الوقت الذي تؤكد أربيل ليلاً ونهاراً على استعدادها للحوار مع بغداد لحل القضايا الخلافية، لا تتوقف الأخيرة عن طرح شروط جديدة منذ خسارة الأكراد كركوك، وغالباً ما تتحدث بلغة التهديد والعقاب ما لم ينفذ الإقليم هذه الشروط، ولعل التصرف بمنطق المنتصر تجاه المهزوم هو الذي يحكم هذا السلوك.
أذعن الأكراد لمطالب بغداد بنشر القوات الاتحادية في المناطق المتنازع عليها وعلى المعابر الحدودية والمطارات، وأعلنوا عن تجميد نتائج الاستفتاء وتسليم المنشآت النفطية والقطعات العسكرية للسلطات العراقية. تنحى مسعود بارزني عن رئاسة الإقليم، لكن كل ما سبق لم يرضِ أو يقنع بغداد بالدخول في حوار مع الأكراد حتى الآن لحل القضايا الخلافية وإعادة ترتيب العلاقة مع الإقليم في مرحلة ما بعد «داعش».
أمام نداءات الأكراد التي لا تتوقف بالدعوة إلى الحوار لجأت بغداد عبر المحكمة الاتحادية العليا إلى إلغاء الاستفتاء بصفته عملية غير دستورية تهدف إلى الانفصال، وأخضعت شبكة الاتصالات في الإقليم لسلطة بغداد، وخفضت حصة الإقليم من 17 في المئة إلى نحو 12 في المئة من الموازنة العامة للدولة، وباتت تطلق صفة شمال العراق على إقليم كردستان العراق خلافاً لما هو منصوص عليه في الدستور، وأخيراً باتت تطرح شروطاً تعجيزية للحوار، منها مطالبة أربيل بتسليم شخصيات سياسية معارضة من الذين كان لهم دور في تظاهرات الأنبار وموجودون في كردستان، وهو ما يضع قيادة الإقليم أمام حرج أخلاقي وسياسي معاً، خصوصاً أن مسلسل الشروط التي لا تتوقف يبدو أقرب إلى فرض سياسة الإذعان ولي الأذرع وإلا فإن الآتي أعظم كما هو واضح من لغة بغداد.
أمام هذا الواقع، ثمة من يتساءل: هل ما جرى في كركوك كان بسبب الاستفتاء الذي كان ذريعة قدمتها أربيل لبغداد على طبق من فضة كما يقال؟ بالتالي هل ما يجري الآن هو نتيجة عملية مدروسة أعد لها مسبقاً من قبل بغداد وحليفتها طهران لأسباب استراتيجية تتجاوز الإقليم وتتعلق بالتطورات الجارية في المنطقة؟ في الواقع، إذ كانت الخطوات التي قامت وتقوم بها بغداد بسبب الاستفتاء فإن الاستفتاء أصبح من الماضي كما قال حيدر العبادي نفسه مراراً، بل حتى الأكراد تخلوا عنه عملياً تحت عنوان تجميد النتائج، كما أن الإقليم في انتظار قيادة جديدة تخلف بارزاني والرئيس الراحل جلال طالباني يبدو اليوم أبعد عن النزعة الانفصالية نحو الاستقلال التي سادت الإقليم خلال الفترة الماضية، ولعل في ظل ما سبق فإن السؤال الملح الذي يطرح نفسه في الإقليم، هو: متى تحدد بغداد موعد بدء الحوار؟ سؤال ربما يطول انتظار الجواب عنه في ظل شروط بغداد التي لا تتوقف وربما موافقة أنقرة وطهران، وصمت الإدارة الأميركية. واقع يضع الإقليم في انتظار صعب وسط ظروف داخلية أصعب، وكأن المراد من كل ما سبق دفع الإقليم إلى المواجهة في تكرار لما حصل مراراً خلال مرحلة حكم صدام حسين.