الأرض والعِرض.. لا تفريط فيهما ! فالإنسان متجذرٌ في أرضه ومرتبطٌ بها، يتغنّى بها وبمفرداتها، فهي تُمثّل جزءاً من وجدان الشعوب واحساسهم على المستويين الجمعي والفردي، وفي تصاعد لوتيرة الصراعات بين بغداد والإقليم، مُرّر قانون الأحوال الشخصية المعدّل في البرلمان العراقي، بينما العراقيون كعادتهم، منشغلون بالصولات السياسيّة ويتنافسون بإطلاق الشتائم والتنابز بالألقاب والصفات، بسابقة هي الأولى بين أبناء البلد الواحد، في ظلِّ صراع تنافسي لاستعادة أرضٍ هي موضوع نزاع مُعلّق من سنوات، الأرض من منطلق عربي والأرض نفسها من منطلق كردي، متلبسين مفهوم الأرض النمطيّة بكونها مقياس شرف وكرامة الإنسان ضمن جغرافيته الوطنيّة، ولا عيب على من يُعبّر عن مثل هذا الرأي من منطلق وطني بأدوات حضارية، فهو حقٌ مشروع لكلِّ مواطن، وليس حكراً على السياسيين وأصحاب المناصب الحكوميّة، لكنَّ نبرة الحديث بالصوتين (العربي والكردي) هي أعلى ارتفاعاً وحدّةً، بالمقارنة مع الشعوب المتحضرة والمتمدّنة لما يتضمنهُ هذا الصوت من اتهامات وتجريد للآخر من وطنيته، ولم يكن العلو بسبب قصرٍ في فَهم، أو عجز في الأدوات، كما هو واقع الحال لمن يستخدم النبرة المتشنّجة والإشارات كأداة تفسيريّة مُضافة للتعبير، بل إنه صدر عن بعض النخب الثقافيّة، مثقفين وأكاديميين، وعن نشطاء غير قاصرين على التعبير، عن آرائهم، بنزعة لم يشهدها البلد، أوصلت الحال لأن يُسهمَ كلٌ منهم في شحن نزعات الكراهيّة في النفوس وبتشجيع من يرفع السلاح على التشهير به بوجه الآخر.. في هذه الفترة الحرجة وأثناء الانشغال بتبنّي المواقف وإعادة الاصطفافات، تجاهل العديد من الشتّامين ومروّجي الفتن ما دُبّر بليل، مساهمين دون انتباه في تمرير آفة فتاكة قد تلتهم الأسر وتنتهك أعراض بناتنا ونسائنا عِبر سن قانون غير شرعي، أقل ما يُقال عنه إنه وجهٌ آخر من وجوه قوانين داعش اللا إسلامية، من وجهة نظر المسلمين أنفسهم، في عهد دولة أملنا بها أنْ تتسم بالمدنيّة. قانون الأحوال الشخصيّة بتعديلاته المُقترحة لا يُعدّ تجاوزاً على الديانات وتكريساً للعنصرية فحسب، بل إنَّ مثل هذه القوانين هي تمزيقٌ لوحدة النسيج العراقي، بانتهاكها الدستور ومعايير حقوق الإنسان، وبنود الاتفاقيات الدوليّة التي وقّعَ عليها العراق بما فيها اتفاقية حقوق الطفل عام 1994 واتفاقية القضاء على جميع أشكال العنف ضد المرأة (سيداو) المصادق عليها عام 1986. مخالفاً بذلك العهدين الدوليين الخاصّين بالحقوق المدنيّة والسياسيّة والحقوق الاقتصاديّة والثقافيّة والاجتماعيّة عبر منح حقوقٍ أقل إلى الأفراد على أساس الدين، وبتشجيعه كذلك على تزويج القاصرات وإعطاء الحق للرجل ليقرّر وحدهُ، شكلَ، ونوع الزواج، ليغمط بذلك حق المرأة، بناءً على نوعها الجنسي في الحصول على حقوقها ومنها الإرث. وشطب العراق من سُلّم لائحة حقوق الإنسان بمصادقته على القانون، سيمثّل مكسباً لمن يتبنّى الإسلام السياسي المتطرف الهادف إلى شق الصفوف وتعميق الشرخ بين العراقيين. لقد حمت كل الأديان السماويّة “الأسرة” في عفّتها وكرامتها ونسبها، وقدمتها على الأرض، فلا تستقيم المجتمعات إلا بالأسرة السليمة بوصفها النواة الأولى للمجتمعات وهي حاضنة الأفراد،.. وزعزعة جدران الأسرة بتشريعات خلافيّة، هو تهديدٌ للمجتمع ومساهمةٌ بتفتيت الهويّة العراقيّة ووحدتها. بانصراف العراقيين وتحوّل اهتمامهم عن المشاركة في رفض القانون والمساهمة في رسم خريطة مستقبل أبنائهم وعوائلهم، سيتجهُ العراق إلى هوّة الجهالة، وحينها لن يفيد العض على إصبع الندم، ولو سخّرت كل الأصوات التي نفثت النار في تنور الحرب بين العرب والكرد، بالمبادرة بكلمة ضمير أو تعليق للتعبير عن رفضهم لهذا القانون، ما كان لحزب أو كتلة أو رجل دين منتفع، الجرأة والإقدام على أنْ يرفع يده لتمرير القانون أو التصويت عليه، ضمن جولة جديدة من تواطؤ المصالح والصفقات السياسيّة المتبادلة بين الكتل النيابية والأحزاب تحت شعار المرحلة (شيّلني واشيّلك!!). وهنا نبادر بالسؤال،.. ألا يدفع هذا البرلمان وهذه الحكومة وهذة الرئاسة كل حالمٍ بدولة مدنيّة للملمة بعضه قاصداً سقفاً آمناً له ولعائلته ليحمي أهل بيته وقاصراته من شهوة الشاذين؟!!