(ألجُعالة) بدل (أموال مجهولة المالك)!
الفيلسوف الكوني : عزيز الخزرجي
أصبح الفساد في العالم عموما وفي العراق خصوصا شبه لعبة يحصل المتحاصصون على المال أكثر بسببها .. مَنْ يُتقن اللعبة و يتفنّن فيها أكثر من خلال وجود حلول و مخارج تسهّل و تُشرعن أمر فسادهم حسب تقريرارتهم الحزبية الشيطانية التي ما أنزل الله بها من سلطان.
و بعد كشفنا لحبائل الفاسدين ألمُتحاصصين و للكثير من وجوه الفساد التي تمّت بعنوان(أموال مجهولة المالك) والتي أوصلت العراق و الأجيال التي ستأتي إلى الفناء و الدمار و العوق و هم لم يلدوا بعد, إنشرح الفاسدون بفرح في قصورهم لتصورهم بأنهم إستطاعوا إيجاد مخرج أقوى من (أموال مجهولة المالك) لتبرير فسادهم .. و هم يتصوّرون بأنهم خالدون في هذه الدنيا و لا حساب ولا كتاب والله غفور رحيم .. لسفاهة عقولهم و نفاق قلوبهم و خلو وجودهم من ذرة من الأيمان العملي بآلله!
فقد كتبنا آخر مقال بهذا الشأن قبل شهرين(حول الأموال المسروقة بعنوان “أموال مجهولة المالك”)(1) و ختمنا الموضوع بفتوى المرجعية العليا التي أفتت بحرمة أيّ راتب أو مال يُؤخذ من بيت المال بذريعة أموال مجهولة المالك, لكن الجديد الذي حصل و بعد إسكاتهم و دحض جميع حججهم و تبريراتهم الواهية الشيطانية التي ما أنزل الله بها من سلطان بل العكس .. سوى إعتمادهم على أقوال و أحاديث لا أساس لها من الصحة في مذهب الأسلام ولا أي مذهب إنساني؛ نراهم أخيراً .. خرجوا لنا بمسألة غريبة أخرى و تحوير واضح لسنن الله, ومن خلال (قوانة) جديدة و هي تبرير فسادهم المالي بـعنوان: “الجعالة” ألتي ربما تفوت و تعبر على آلبعض حتى المثّقفين و الكُـتاب منهم لعدم معرفتهم بحقيقة (الجِعالة) و مرادفاتها, لهذا سنلقي الضوء على هذا المفهوم المغرض أيضا, لنكشف الحقيقة للناس, و هذا من صلب مسؤولية المُفكر و آلفيلسوف الذي أهمية وجوده يبرز من خلال هذه المفارقات الخطيرة , و بغيرها ستهضم حقوق الأمة والناس و تتفاقم القضايا و تتعقد الامور من قبل الصداميين و الأسلاميين و القوميين و الديمقراطيين و الشيوعيين و اليساريين و الشماليين و الجنوبيين و التكنوقراطيين وووغرهم , لكون الأموال و النعم التي حباها الله لبلد أو لشعب بآلأساس هي ملك الجميع بآلتساوي .. بل و ملك الأمة .. وحتى مُلك للناس آلآخرين, إن كان حصراً, حيث لهم الحق فيها إذا كانوا محتاجين لذلك!
فما هي حقيقة و مفهوم و أركان و أحكام (الجُعالة) في جميع المذاهب و ليس في مذهب (الشيعة) فقط لأنهم يأخذون أحكامهم مباشرة من إمام العلم و الفقه الأمام الصادق(ع) و الذي لا يُجوّز حتى أخذ مال وجدته بآلصّدفة في طريق عام حتى لو كان درهماً ؟
فما هو آلجُعل(ألجُعالة)؟
و ما هي أحكامها؟
لغة الجُعل – بالضم -: الأجر، يقال: جعلت له جُعلًا، والجِعالة بكسر الجيم – وبعضهم يحكي التثليثَ -: اسمٌ لما يجعل للإنسان على فعل, والجَعيلة مثال كريمة لغة في الجعل، وعرَّفها المالكية: بأن يجعل الرجلُ للرجل أجرًا معلومًا، ولا يَنقُده إيَّاه؛ على أن يعمل له في زمن معلوم أو مجهول، مما فيه منفعة للجاعل، على أنه إن أكمل العمل كان له الجُعل، وإن لم يتمَّه فلا شيء له، مما لا منفعة فيه للجاعل إلا بعد تمامه.
وعرَّفها الشافعية: بأنها التزامُ عوض معلوم، على عمل معيَّن معلوم، أو مجهول يَعسُر ضبطه.
وعرَّفها الحنابلة: بأنها تسميةُ مال معلوم لمن يعمل للجاعل عملًا مباحًا، ولو كان مجهولًا، أو لمن يعمل له مدة ولو كانت مجهولة
و قد عرَّفها المالكيةبأنها الإجارة على منفعةٍ مظنون حصولُها؛ مثل قول القائل: مَن ردَّ عليَّ دابَّتي الشاردة، أو متاعي الضائع، أو بنى لي هذا الحائط، أو حفر لي هذا البئر حتى يصل الماء، أو خاط قميصًا أو ثوبًا – فله كذا.صيغتُها أو لفظها أن يقول: مَن ردَّ لُقطتي، أو ضالَّتي، أو بنى لي هذا الحائط، فله كذا، فمن فعل ذلك استحقَّ الجُعْل.
شرعًا .. معناه : التزام عوضٍ معلوم، على عمل معيّن، بقطع النظر عن فاعله.
مثاله أن يقول: مَن وجد سيارتي المفقودة، فله ألف دينار.
:ألجُعالة هي عوضٌ معلوم، يُؤخذ على ردِّ الضّالة، وهو شرط بين طرفين, والأصل فيها قوله تعالى
﴿ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ ﴾ [يوسف: 72]؛ ولأن الحاجة قد تدعو إليها, ودليلها من السُّنة النبوية حديثُ اللَّديغ، وقد ورد في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي سعيد: [أنهم نزلوا على حيٍّ من أحياء العرب، فاستضافوهم، فأَبَوْا، فلُدِغ سيد ذلك الحي، فسعوا له بكل شيء، فأتوهم فقالوا: هل عند أحد منكم من شيء؟ قال بعضهم: إني والله لأرقي، ولكن واللهِ لقد استضفناكم فلم تضيفونا، فما أنا براقٍ لكم حتى تجعلوا لنا جُعلًا، فصالحوهم على قطيع غنم، فانطلق ينفُث ويقرأ عليه، ويقرأ:
﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الفاتحة: 2]، فكأنما نُشِط من عِقال، فأَوفَوهم جُعلهم، وقَدِموا على النبيِّ (ص)، فذكروا له ذلك، فقال: (أصبتم، اقتسموا، واجعلوا لي معكم سهمًا)].
فمن عمل العمل الذي جُعلت عليه الجِعالة بعد عِلمِه بها، استحقَّ الجُعل؛ لأنّ العقد استقرَّ بتمام العمل، وإذا قام بالعمل جماعة، اقتسموا الجُعل الذي عليه بالسَّوية؛ لأنهم اشتركوا بالعمل في العمل الذي يستحقُّ به العوض، فاشتركوا في العوض، فإن عمل العمل قبلَ علمه بما جُعل عليه، لم يستحقَّ شيئًا؛ لأنه عمل غير مأذونٍ؛ فلم يستحق به عوضًا، وإن علم بالجعل أثناء العمل، أخذ من الجعل ما عمله بعد العلم
والواقع والعقل يؤيِّدان قول جمهور العلماء، فالحاجة تدعو إلى الجعالة، مِن ردِّ ضالة أو آبقٍ ولا يقدر عليه صاحبُه، فجاز بذلُ الجعل؛ كالإجارة والمضاربة، إلا أن جعالة العمل والمدة لا تضرُّ، بخلاف الإجارة؛ لأن الجعالة غير لازمة، والإجارة لازمة، وتَفتقر إلى تعيين المدة.
و تتحدّد الجُعالة بشروط و مبادئ تتعلق بـ:
أركانها:
الصيغة:
: العاقدان
العمل:
الجعل:
و هذا يختلف جملة وتفصيلا عن موضوع (الفساد) الذي حصل بعد فتح العراق, ولا علاقه لها بآلجعالة لا من قريب ولا من بعيد!
أحكام متعلِّقة بالجُعالة:
1- الجعالة عقدٌ جائز لكل من الطرفين فسخُه، فإن كان الفسخ من العامل، لم يستحق شيئًا من الجعل؛ لأنه أسقط حقَّ نفسه، وإن كان الفسخ من الجاعل، وكان قبل الشروع في العمل، فللعامل أجرةُ مثل عمله؛ لأنه عمله بعوض لم يسلم له.
2- أن يكون العمل مباحًا، فلا تصح على محرَّم؛ كغناء، أو صناعة خمر، أو نحوهما.
3- ألا يُوقَّت العمل بوقت محدد، فلو قال: من رد جملي إلى نهاية الأسبوع فله دينار، لم يَصحَّ.
4- أهلية التعاقد: يشترط عند الشافعية والحنابلة في الجاعل مالكًا كان أو غيره أن يكون مُطلق التصرف؛ (بالغًا، عاقلًا، رشيدًا)، فلا يصحُّ من صبيٍّ، ومجنون ومحجور سفه، وأما العامل: فإذا كان معينًا، اشترط فيه أهليَّة العمل؛ فلا يصح كونه عاجزًا عن العمل؛ كصغير لا يقدر على العمل؛ لأن منفعتَه معدومة، وإن كان غير معين مبهمًا، كفى علمُه بإعلان النداء على الجعل، وتصحُّ الجعالة عند المالكية والحنفية من المميِّز، أما التكليف فهو شرط لزوم.
مسائل متعلقة بالموضوع أيضا:
الزيادة والنقص في الجعل: يرى الشافعيَّة والحنابلة[13] أنه يجوز للمالك الجاعل أن يزيد أو ينقص من الجعل؛ لأن الجعالة عقد جائز غير لازم، فجاز فيه ذلك كالمضاربة، إلا أن الشافعية أجازوا ذلك قبل الفراغ من العمل، سواء أكان قبل الشروع أم بعده، كأن يقول: من ردَّ متاعي الفلاني فله عشرة، ثم يقول: فله خمسة، أو بالعكس، وتظهر فائدة ذلك بعد الشروع في العمل، فتجب حينئذٍ أجرةُ المثل؛ لأن هذا التعديل بالزيادة أو النقص فسخ للإعلان السابق، والفسخ من المالك يقتضي الرجوع إلى أجرة المثل، وقيد الحنابلة هذا التعديل بما قبل الشروع في العمل؛ فيجوز، ويُعمَل به.
حكم اختلاف المالك والعامل:
إذا حدث اختلاف بين المالك والعامل، فأيهما يصدق بيمينه؟
في الأمر تفصيل:
إن اختلفا في أصل اشتراط الجُعل؛ بأن أنكره أحدهما، فيصدق المنكر بيمينِه، كأن يقول العامل: شرَطْتَ لي جعلًا، وأنكر المالك، صدق المالكُ بيمينه؛ لأن الأصل عدم اشتراط الجعل، وإن اختلفا في نوع العمل كردِّ السيارة الضائعة، أو المتاع الضائع، أو اختلفا فيمن قام بالعمل، يصدق صاحب العمل بيمينه؛ لأن العامل يدَّعي شيئًا، والأصل عدمُه، فيصدق المنكر بيمينه.
وكذلك يصدق المنكر إن اختلفا في سَعْيِ العامل، بأن قال المالك: لم تردَّه، وإنما رجع بنفسه، يصدق المالك؛ لأن الأصل عدم الرد و فسخ العقد.
وإن اختلفا في قدر الجُعل أو في قدر المسافة أو المكان المحدد لوجود الضائع، فقال المالكية والشافعية: تحالف الطرفان، ووجب أجرةُ المثل، كما لو اختلفا في عقد الإجارة.
وقال الحنابلة: القول قول المالك بيمينه؛ لأن الأصل عدمُ الزائد المختلف فيه؛ ولأن القول قوله في أصل العوض، فكذلك في قدره، كربِّ المال في المُضاربة؛ ولأنه منكِرٌ لما يدَّعيه العامل زيادةً عما يعترف به، والأصل براءته منه، ويحتمل أن يتحالفا كالمتبايعين إذا اختلفا في قدر الثمن، والأجير والمستأجر إذا اختلفا في قدر الأجر، فإن تحالفا فسخ العقد، ووجب أجرُ المثل.
أوجه الاختلاف بين الجعالة والإجار:
تختلف الجعالة عن الإجارة من خمسة وجوه؛ وهي:
1- تصحُّ الجعالة مع عامل غير معين، ولا تصحُّ الإجارة من مجهول.
2- تجوز الجعالة على عمل مجهول، أما الإجارة فلا تصح إلا على عمل معلوم.
3- لا يشترط في الجعالة قبول العامل؛ لأنها تصرُّف بإرادة منفردة، أما الإجارة فلا بدَّ من قبول الأجير القائم بالعمل؛ لأنها عقد بإرادتين.
4- الجعالة عقد غير لازم، أما الإجارة فهي عقد لازم، لا يفسخها أحد العاقدين إلا برضا الآخر.
5- لا يستحق الجعل في الجعالة إلا بالفراغ من العمل، ولو شرط تعجيله فسدت، وفي الإجارة يجوز اشتراط تعجيل الأجرة.
بإختصار مفيد:
كلُّ ما جاز أخذ العوض عليه في الإجارة من الأعمال، جاز أخذه – أي: العوض – في الجعالة، وما لا يجوز أخذ العوض عليه في الإجارة؛ كالغناء، والزمر، وسائر المحرمات – لا يجوز أخذ الجعل عليه؛ لقوله تعالى:
﴿ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ﴾ المائدة:2
بآلله عليكم .. أيها الواعوون حتى قليلاً .. و بعد كل الذي كان و هذا البيان و التوضيح:
ما علاقة هذا المفهوم – الجُعالة – بسرقة أموال الناس و نهب بيت المال باسم الدين و الدّعوة و السياسية الأسلامية و المصلحة الحزبية!؟
هل فعل الرسول (ص) أو إمام من أئمتنا وعلى رأسهم الأمام عليّ(ع) مثلما فعل الفاسدون بعد صدام المجرم!؟
فهل (ألجُعالة) تجيز للفاسدين المتحاصصين, خصوصا الرؤوساء و الوزراء و النواب و المستشارين و المدراء من التصرف ببيت مال المسلمين و كما فعلوا كونها (جعالة)!؟
أيّة جُعالة .. و الجعالة كما بيّنا عقد بين طرفين بشروط مع الفروقات الواضحة بينها و بين الأجارة كما أشرنا!؟
و كلمة أخيرة سابقة: في فقه اهل البيت(ع) لا يجوز حتى لو وجدت مالاً أو سلعة بلا صاحب التصرف بها كيفما تشاء بحسب حاجتك, بل على حاكم الشرع (الولي الفقيه) أو المرجع الأعلى الأفتاء بذلك, أما إذا كان المال يتعلق بدولة و شعب وأمة ؛ فهذا أمرٌ خطير و له تبعات أقلها جهنم في حال أخذها بلا وجه حق .. و كما في مسألة (أموال مجهولة المالك) حيث لا يوجد مال مجهول المالك خصوصا داخل وطن كبير و شعب ودولة, أو بعنوان (إلجعالة) كما بيّنا آنفاً, بل العكس صحيح تماماً لوجود الملايين بل عشرات الملايين على تلك الأرض و هذه الدولة.
لذلك على الفاسدين إرجاع جميع الأموال أولا .. ثم محاكمتهم على فسادهم .. لانهم شوّهوا سمعة و تأريخ أهل البيت(ع) لأنهم أبرياء مما فعلوا, و لا حول ولا قوة إلا بآلله .. أللهم إني قد بلّغت .. أللهم فإشهد.