ذكر موقع “ميدل إيست آي” البريطاني، ان بعض سكان كركوك من المكون الكردي بدأوا يتذمرون من تقييد حريتهم، بعد دخول القوات الاتحادية وفصائل من الحشد الشعبي إلى المدينة منتصف الشهر الماضي، حيث قال شبان كرد إنهم يفتقدون “المشروبات الكحولية” التي اعتادوا عليها قبل دخول القوات العراقية.
وأوضح الموقع في تقرير له، يوم أمس الأحد ( 12 تشرين الثاني 2017)، ان أحد المواطنين كان يقف أمام محل “عاشور يعقوب” الذي يملك مطعما للوجبات السريعة ومحلا مجاورا للمشروبات الكحولية منذ 20 عاماً، ويطالب بإعادة بيع “المشروبات الكحولية” وذلك في تقييم صادق للوضع.
وأضاف التقرير ان الشاب أكد ان “مشروب الويسكي كان منتشراً للغاية، واعتاد الناس شراء مزيجٍ من السلطات لتناولها مع المشروبات” من هذا المحل، وتابع متذكراً مشروب “عرق لبناني جيد” ، وهو مشروبٌ كحولي بنكهة الأنيسون، حيث قال “كان يبدو طعمه لذيذاً مع سلطة الباذنجان وسلطة الجاجيك، وهي خليطٌ من الخيار واللبن الرائب الكثيف”.
وأشار الموقع إلى ان “المقبلات المعروضة للبيع تحظى بشعبيةٍ بين سكان كركوك، لكنَّهم يفتقدون المشروبات الكحولية، التي كانت متوفرة بكثرة قبل دخول فصائل من الحشد الشعبي إلى المدينة”، ومنذ ذلك الحين، أصبح من المستحيل الحُصول على قطرة واحدة من الكحول.
وأفاد بان محل “يعقوب” أغلق في اليوم الذي تغيرت فيه إدارة المدينة، وحاول إعادة افتتاحه بعد ذلك بثلاثة أيام، لكنَّه سُرعان ما قرَّر عدم القيام بذلك، حيث نقل موقع “ميدل إيست آي” عن صاحب المحل قوله “جاء حُراس ليُخبروننا بإغلاق محلات المشروبات الكحولية. وكانوا يبدون كجنودٍ في الجيش، ولكنَّهم ربما فعلوا ذلك بناءً على أوامر قوات الحشد الشعبي”.
وأضاف ان “يعقوب لم ينتقد قوات الحشد الشعبي أو الجيش العراقي صراحةً، وشعر أنَّه من المُبكِّر جداً الحكم على الطريقة التي ستستمر بها الحياة في كركوك، لكن عمله أصبح مُتعثِّرا”ً.
من جانبه أفاد زبون آخر لذلك المحل بالقول “نحنُ منزعجون من حقيقة عدم وجود مشروباتٍ كحولية. ولكن الأمر لا يتعلق بالكحول، بل بالوضع الأمني هنا. حتى الآن، ما زال الوضع آمناً، لذا علينا الانتظار لِنر. وربما أبقى هنا في منزلي، أو أُحاول الانتقال بعائلتي إلى تركيا. وإذا منحتني أي دولةٍ حق اللجوء، سأرحل غداً”.
ويشعر سكان كركوك أنَّه من المبكر جداً الحكم على الطريقة التي ستسير بها الحياة في كركوك، حيث أشار “عاشور يعقوب” إلى إنَّه سيبقى في المدينة، حتى لو كان ذلك بدون مشروبات كحولية تخفف من حدة الأمور، وأضاف “بعض الناس هربوا من كركوك، لكن إذا هربت فإنّ هؤلاء الذين يبحثون عنك سيأتون للإمساك بك على كل الأحوال”. ويعرف زبائنه أنَّهم لم يعد بإمكانهم شراء المشروبات، لكنّهم يريدون مواصلة دعم عمله. فوفاؤهم للمحل يبدو أنَّه يعكس إيماناً أوسع بتنوع كركوك.
وأوضح الموقع انه وبعيداً عن المشروبات الكحولية، فان مدينة كركوك تمر في الوقت الحالي بتغيرات مهمة منذ استعادت الحكومة الفيدرالية العراقية السيطرة عليها، في 16 تشرين الأول 2017، حيث نفذ انتحاريان عمليات تفجير في كركوك، وقتلا 5 أشخاص، وأصابا أكثر من 20 شخصاً آخرين الأسبوع الماضي.
من جهة ثانية يرى محللون ان فصائل الحشد الشعبي التي شاركت في هجوم كركوك مع الجيش العراقي تضم منظمة بدر، وكتائب حزب الله، وعصائب أهل الحق، وهي مدعومة من إيران ستبقى فاعلةً في كركوك والمناطق الغنية بالنفط المحيطة بها، فضلاً عن تقارير تكشف تولي إيرانيين أدواراً كبرى في عمليات الأمن المحلية في المدينة.
وبحسب تحليل لمعهد دراسات الحرب الأميركي الذي يختص بالسياسات العامة، فان “وكلاء إيران سيستغلون أدوارهم في كركوك سياسياً وعسكرياً، ومن المحتمل أن تُسيطر أو تتنافس قواتهم مع الحكومة العراقية، للسيطرة على البنية التحتية العسكرية والمنشآت النفطية في كركوك”.
كما ان هناك مؤشرات على أن تلك الفصائل قد تُسلم المهام الأمنية في كركوك للجيش، حيث طلب زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر من سرايا السلام، وهي لواء تابع له في قوات الحشد الشعبي مغادرة المدينة خلال 72 ساعة، وذلك بعد الهجومين الانتحاريين، في 5 تشرين الثاني الجاري.
وسلط تقرير الموقع البريطاني الضوء على ما يتعرض له بعض السكان الكرد في المدينة من إهانات، حيث نقل عن مصادر محلية قولهم، إن “الكرد يعانون من السخرية والازدراء تحت سيطرة الجيش العراقي ومقاتلي قوات الحشد الشعبي، الذين يُسيطرون على المدينة”، حيث قال أرام، الذي لم يذكر سوى اسمه الأول “في إحدى نقاط التفتيش، عَرفَ الجنود أنَّني كردي، لذلك أوقفُوني للاستجواب. وقالوا لي “أين أذنك؟”، وهو سؤالٌ ساخر يتهمونه فيه بالغباء. وأضاف “انتابني قلقٌ شديد، لكن لم يكن بإمكاني فعل أي شيء”.
فيما يرى سكان آخرون الأمور بشكل مختلف، فيقولون إن العرب والتركمان كانوا مقهورين تحت حكم الكرد في كركوك، وأفاد “علاء جمال” الذي يُدير مطعم أسماك في كركوك “أشعر بأمانٍ أكثر الآن مع سيطرة الجيش العراقي وقوات الحشد”، وتابع “لم يكن الحزب الديمقراطي الكردستاني يتصرف بشكل جيد هنا، وهذا هو ما دفع الناس لإحراق المبنى. لقد شعرنا بالتمييز ضدّنا تحت حكم الكرد، لأنَّنا لسنا كرداً. فقد كان افتتاح متجر ما أمراً مستحيلاً دون ممولٍ كردي. شعرتُ بالضغط، ولم أحب طريقة حُكمهم”.
وكانت كركوك التي يعيش فيها نحو مليون نسمة مدينة متعددة الأعراق، وهي تضم العرب والكرد والتركما، وحتى وقتٍ قريب، كانت الأعراق المختلفة تتعايش بشكلٍ عام في سلام، لكن السلطات الكردية تقول إن 150 ألف شخص نزحوا من كركوك ومناطق أخرى اجتاحتها القوات العراقية، منذ 16 تشرين الأول الماضي.
الجدير بالذكر انه وبحسب تقريرٍ لمجموعة “صوفان” الاستشارية الأميركية المختصة بشؤون الاستخبارات، فان “حزب الاتحاد الوطني الكردستاني سمح لبغداد باستعادة جزء كبير من كركوك دون قتالٍ عبر التفاوض على اتفاق يجعل قوات البيشمركة التابعة لحزب الاتحاد تتخلى بسهولة عن مواقعها لصالح القوات العراقية”.