ماذا بعد الاتفاق الأمريكي مع طالبان؟
باحث ومفكر عربي عبد الحسين شعبان
فشلت واشنطن في القضاء على حركة طالبان الأفغانية، واضطرّت في نهاية المطاف إلى التفاوض معها بعد حرب دامت 18 عاماً، حيث أعلن مؤخراً عن اتفاق تم توقيعه في الدوحة (قطر) يوم 29 فبراير(شباط) 2020 من جانب مبعوث الولايات المتحدة الخاص إلى أفغانستان زلماي خليل زاد، ونائب المسؤول السياسي في حركة طالبان الملّا عبد الغني برادار، بحضور وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو وممثلين عن 30 دولة.
ويقضي الاتفاق بانسحاب جميع القوات الأجنبية من أفغانستان في غضون 14 شهراً وتخفيض واشنطن قواتها إلى 8600 خلال 135 يوماً، بدءًا من تاريخ توقيع الاتفاق، وأن تسحب هي وحلفاؤها جميع قوّاتها من 5 قواعد عسكرية في الفترة المذكورة، وتلغي العقوبات عن أفراد طالبان بحلول 27 أغسطس(آب) 2020، وتطلق سراح ما يصل إلى 5 آلاف سجين من طالبان، وما يصل إلى ألف من سجناء الطرف الآخروهو ما بدأت المفاوضات بشأنه منذ العاشر من مارس / آذار 2020، مقابل ضمانات وآليات بعدم استخدام الأراضي الأفغانية من قبل أي جماعة أو فرد ضد أمن الولايات المتحدة وحلفائها،
وقد تزامن إعلان الاتفاق مع أداء اليمين الدستورية لرئاسة أفغانستان المتنازع عليها بين كل من أشرف غني وعبدالله عبدالله، حيث يدّعي كل منهما بأنه الرئيس الشرعي لأفغانستان، ويعني ذلك أن أفغانستان مقبلة على صراع داخلي لا تعرف حدوده بين القوى المتنافسة على رئاسة البلاد من جهة، وبين حركة طالبان من جهة أخرى، علماً بأن الأخيرة هي الجهة الأقوى، وإلّا لماذا وقعت معها واشنطن اتفاق سلام.
وإذا ما نظرنا إلى الصورة إقليمياً فإن هذا الاتفاق في أحد مقاصده يستهدف تطويق إيران التي لها حدوداً مشتركة طويلة ووعرة مع أفغانستان، فضلاً من أن هناك تعارضاً
بين توجّهاتها التي تقوم على مبدأ ولاية الفقيه وبين توجّهات حركة طالبان، وقد يقود ذلك إلى صراع جديد تفتحه واشنطن بوجه طهران من جانب حركة طالبان، وقد يمتد إلى الساحة الإقليمية التي تؤثر فيها طهران مثل العراق وسوريا ولبنان واليمن. وربما أرادت واشنطن من الاتفاق مع طالبان أن تتفرغ الأخيرة إلى صراع طهران، وتكون بذلك قد ضربت عصفورين بحجر واحد، فمن جهة تخلّصت من ثقل حرب لا انتصار فيها مع حركة طالبان،ناهيك عن تكاليفها الباهظة، ومن جهة ثانية إضعاف لإيران وسعي لتحجيم دورها الشرق أوسطي.
وتتفاوت المواجهة بين إيران وطالبان من عسكرية وسياسية إلى اقتصادية ودعائية، حسب متطلبات الصراع، وكان مقدمة لإبرام مثل هذا الاتفاق هو إقدام الولايات المتحدة على اغتيال قاسم سليماني قائد فيلق القدس الإيراني وأبو مهدي المهندس نائب رئيس هيأة الحشد الشعبي في العراق، مع تصعيد عمليات القصف والرد على بعض قوات الحشد الشعبي، وخصوصاً حزب الله العراقي، الذي ظل يوجه بعض هجماته ضد السفارة الأمريكية في بغداد ومعسكر التاجي حيث توجد قوات عسكرية أمريكية.
ومع انتشار فيروس كورونا في إيران ، فقد زاد الأمر من عزلتها واتهامها بالاستهانة بصحة مواطنيها وعدم نشرها معلومات دقيقة عن عدد الإصابات وعدم اتخاذها الاحتياطات اللازمة، الأمر الذي زاد من معاناتها من عقوبات اقتصادية مفروضة عليها منذ سنوات، أدت إلى ضعضعة اقتصادها وعطّلت من مفاعيل التنمية فيها، وزاد الطين بلّة انخفاض أسعار النفط والصراع الجديد حول الإنتاج بين المملكة العربية السعودية وروسيا الاتحادية في إطار منظمة أوبيك،ولعلّ كل ذلك يصبّ في خدمة أهداف واشنطن وصراعها ضد إيران.
لقد كان الانسحاب الأمريكي من أفغانستان أحد العوامل الأساسية في استكمال حصار إيران ، فضلاً عن إشغالها بصراعات على جبهات متعددة، وهو الأمر الذي زاده تعقيداً هجومات “إسرائيلية” على مواقع للقوات الإيرانية في سوريا، بما فيها بعض مستودعات الذخيرة والأسلحة، وفي الوقت نفسه بذل مجهود أمريكي لترميم العلاقات مع
تركيا وبين الأخيرة وحلف الناتو، لاسيّما عقب معارك إدلب، بالترافق مع إعلان واشنطن عن نيتها في تمرير صفقة العصر.
وتوجّهت حاملة الطائرات ” أيزنهاور” إلى دخول البحر الأحمر عبر قناة السويس ومجموعة من السفن المرافقة لها، وأجريت تدريبات مشتركة مع الطائرات الفرنسية “شارل ديغول” وتتابع حاملة الطائرات الأمريكية (هاري ترومان USS ) ما يجري في البحر المتوسط، إضافة إلى 5 سفن حربية وغواصات وطائرات استطلاع لأي طارئ، وقد عبرت مضيق هرمز حاملة الطائرات ” أبراهام لينكون” كما أعلن البنتاغون لإظهار التزام واشنطن بحرية الملاحة وسط توترات مع طهران ، وتقوم قطر بإنفاق 1.8 مليار دولار لتطوير قاعدة العديد التي انطلقت منها الطائرات الأمريكية عند غزو العراق العام 2003 .
فماذا تريد واشنطن؟ وهل الاستعدادات للتحضير للحرب أم للابتزاز لتغيير الواقع السياسي والأمني في المنطقة؟