سنشرب ماء البحر
معد فياض
تصريح مهم وخطير ادلى به دولة الرئيس محمد شياع السوداني في المؤتمر الدولي للمياه المنعقد حاليا ببغداد، حيث قال: “ان الحكومة الحالية اتجهت إلى الخبرات التي تملكها الدول المتقدمة للاستفادة من المياه، وعملت على تشكيل مجلس أعلى للمياه، وهي عازمة على الذهاب إلى تحلية مياه البحر”.
هذا التصريح يختصر الكثير من معاناة العراق في موضوع شحة المياه، ويوجز تاريخ كامل من مشاهد الفيضانات وفواجعها على بغداد وبقية المدن العراقية وتدميرها للاراضي الزراعية. فالعراق باعتباره دولة المصب تحمّل لوحده التغيرات الطبيعية التي طرأت على نهري دجلة والفرات يوم لم تكن هناك سدود وخزانات مياه في دولة المنبع، تركيا، ولا الدولة التي يمر بها نهر الفرات، سوريا، وحسب القوانين الدولية فان على دولة المنبع والدول التي تمر بها الانهار ان تتحمل المسؤولية التاريخية للاضرار التي تسببت بها فيضانات الانهار لدولة المصب. وانطلاقا من هذا المبدأ القانوني كان الدكتور عدنان الباجه جي قد تفاوض مع الجانب التركي عندما كان وزيرا للخارجية عام 1966 وربح جولات النقاش واقرت حصة العراق من مياه نهري دجلة والفرات.
اليوم نصحو على حقيقة مرة بل مأساوية وهي ان بلاد ما بين النهرين او بلاد الرافدين يشكو من العطش، عطش الارض وجفاف الانهار وبالتالي عطش الانسان، وحسب السوداني وكما ورد في كلمته: “ورثنا المشاكل المائية من النظام السابق واستمر عدم الإدراك الإداري حتى وصلنا إلى هذه المرحلة”، مؤكداً ان “الحكومة وضعت الملف المائي من أولوياتها، واتخذنا الكثير من السياسات وكان لا بد الوقوف على المشاكل مع دول المنبع”.
لكن دول المنبع لم تحرك اي ساكن، بل ان ايران أوغلت في أذيتها للعراق وبإمعان عندما حولت مسار الروافد المائية التي كانت تصب في الاراضي العراقية الى داخل الاراضي الايرانية، وتركيا تساوم على الحصص المائية الشرعية التي يستحقها العراق قانونا وتاريخيا.
حرب المياه ضد العراق تشنها، تركيا وايران، وهي دول اقليمية محاددة للعراق ولها، مع العراق، علاقات تاريخية واقتصادية وسياسية تصفها بالحميمة، فميزان التجارة من الواردات مع انقرة وطهران يبلغ عشرات المليارات من الدولارات، وبامكان العراق ان يساوم لنيل حقوقه انطلاقا من هذا الموقف. يضاف الى ذلك ان القوانين الدولية تحرم استغلال دول المنبع للدول الاخرى المستفيدة من الانهار التي تمر بها، فنحن لم نسمع عن مشاكل بين الدول الاوربية حول تقاسم حصص مياه الانهار التي تمر بها، وعادة تحل مثل هذه الاشكالات بطرق دبلوماسية ناعمة وبهدوء، كون ان المياه مسالة حساسة وتتدخل في حياة البشر واقتصادهم.
السوداني وضع يده على خطورة هذا الملف عندما قال ان “شح المياه يعد تهديدا لثقافة وحضارة العراق، وان انخفاض مناسيب مياه نهري دجلة والفرات يستدعي تدخلا دوليا عاجلا.. وجهودنا يجب أن تتركز إلى إبعاد المخاطر أو تقليل مخاطرها لمنح أجيالنا بيئة جيدة”.
وهو، السوداني، بذلك يكون اول رئيس حكومة منذ 2003 حتى اليوم يهتم بهذا الملف الخطير على حاضر ومستقبل العراق والعراقيين، وهو عندما يشير الى موضوع تحلية مياه البحر فإنه يتجه الى حل شبه نهائي لمعالجة هذه الازمة الخطيرة، خاصة وان دول متطورة كثيرة اعتمدت وتعتمد تقنية تحلية مياه البحر لحل مشكلة ازمة المياه وفي مقدمتها دول الخليج العربي.
لقد اهملت الحكومات العراقية المتعاقبة منذ عشرات السنين الاهتمام بموضوع المياه، فلم تبني او تنشئ سدودا او خزانات تحفظ مياه دجلة والفرات العذبة قبل وصولها الى الخليج العربي، وبذلك اهدرت ملايين الامتار المكعبة من هذه الثروة المهمة لحياة العراقيين. ستكون مياه البحر المالحة هي الحل، بعد تحليتها، وسنشرب مستقبلا من مياه البحر ونتخلص من مساومات وتهديدات وتلاعب دول المنبع، وسيشكل هذا الحل تحررا من ضغوط الدول الاقليمية في موضوع المياه، وربما يكون لاحقا تحررا من كل التدخلات الاقليمية السياسية والامنية والاقتصادية.