آذار.. زلازل بلا أمطار
حمزة مصطفى
في موروثنا الشعبي يصنف آذار بأنه شهر الزلازل والامطار.
لا اعرف ان كان السجع في متوالية آذارـ امطار تغلب مجازيا على حقيقة جغرافية مناخية لا علاقة لها لا بجناس ولا طباق بقدر ماتدخل في عملية توليد الأمثال كجزء من تقاليد الشعوب. مع ذلك فإن الثابت مناخيا أن شهر آذار في العراق هو من بين الشهور التي يهطل فيها المطر بغزارة إيام كان المطريهطل بغزارة. وهذا ربما ماجعل مخيلة شاعرنا الخالد بدر شاكر السياب مطرية حين يشبه المطر بغابات النخيل التي تشبه “ساعة السحر” عيون من تغزل بهن وهن كثر, وكلهن ” عوبات” لأنهن يحتجن شعر السياب لا السياب. وقد وصل الأمر بأبي غيلان أن يحسد ديوانه الذي يتنقل بين العذارى “ياليتني أصبحت ديواني .. أختال من صدر الى ثاني”, بينما يتقلب هو ساهرا مسهدا في ليله الطويل الذي يجثم على صدره كليل امرئ القيس الشبيه بموج البحر “وليل كموج البحر أرخى سدوله”, أو ليل حمدية صالح التي ضيعت ” بالعرب صوبين” وهي تبحث عن “الولف” الضائع الذي لاينفع معه ” اجلبنك يليلي ١٢ تجليبة.. تنام المسعدة وتكول مدري بيه”.أبشرك لم تعد المسعدة تنام بعد إنحباس المطر من اول تشرين حتى أواخر نيسان مع أن موروثنا الشعبي أطلق وصفا لنيسان بوصفه “مغرق الجدسان”. و” الجدسان” هي البيادر ومفردها بيدر عندما كانت تتطابق حسابات الحقل وحسابات البيدر. كانت الحنطة حنطة والشعير شعير قبل ان يشح المطر والماء معا حيث يجف دجلة وينحسر الفرات ووتحول الاهوار التي ” تنومست” بها اليونسكو كجزء من التراث العالمي الى أرض جدباء تشكو جواميسها اسماكها وتنوح اسماكها على جواميسها. ولأن الزلازل وماترتب عليها من كوارث شغلتنا هذه الأيام بحيث ” لا ليلنا ليل ولا نهارنا نهار” ونحن نتابع بهلع أخبار العالم الهولندي وصاحبه العراقي على أمل الخلاص من كابوس الرعب اليومي. وحيث إننا دخلنا آذار فمازالت التوقعات على أشدها مع أن الزلازل التي على مقياس ريختر بأكثر من 7 درجات وقعت خلال شهر شباط. أما الأمطار التي كانت أهم سماته عراقيا فلا مؤشرات على هطولها بغزارة خلال آذار, ولا ” جدسان” سوف تغرق في نيسان. الزلازل التي اخفق المنجمون في التنبؤ بها ونجح العلماء في توقعها باغتت حتى قسطنين جورجيو وساعته “الخامسة والعشرين” بعد أن فقدت الأرانب حاسة التوقع إذ وقعت في عز شهر شباط الناقص يومين والذي كل مجده أن ” البزازين” التي تفرح في “عزا أهلها” تقيم اعراسها غير عابئة بتصريحات أردوغان وهو يتفقد المنازل المنهارة باكيا على من فقد من ناس كانوا امس قبل الزلزال الرهيب يعيشون هادئين، هانئين، فرحين بما اتاهم الله من نعمه التي لا تعد. وبين هذا وذاك يبقى السؤال .. هل الزلازل غضب إلهي بسبب سلوك البشر ام غضب الطبيعة؟ وهل للسبب نفسه؟ قبل الإجابة ثمة من يسأل وهو على حق ماهو ذنب الأطفال فيما يفعله الكبار حتى يعاقبهم الله؟ سؤال يطرحه المشككون الذين يجدون في أحداث من هذا النوع فرصتهم للوصول إلى ما يعتقدون من يقين يخالف سنن الكون. كما يطرح هذا السؤال بسطاء القوم ممن يرون ان أداء الطقوس الدينية من صيام وصلاة وحج وزكاة يمكن أن يكون مقايضة مع الله سبحانه وتعالى حتى لا يحصل لهم مكروه.
الحسابات ليست هكذا مع انها تبقى وجهات نظر قد تخطئ وقد تصيب. الزلازل التي وقعت والتي قد تقع تحتمل الغضبين معا. غضب الخالق الذي خلق الإنسان في أحسن تقويم، وغضب الطبيعة التي جار عليها الانسان الى الحد الذي لم تعد تطيقه.
فالكوكب الذي نعيش عليه يحمل على كاهله ٨ مليارات من البشر لم يعد قادرا على اطعامهم وتوفير سبل امانهم بعد أن فرطوا هم بما آتاهم الله من نعمة.
ليس هذا فقط فإن الإنسان الذي جار على الطبيعة ظاهرا بات يجول عليها باطنا بحيث حولها حقل تجارب لماربه الخطيرة ومنها تفجير قنابله بمن فيها النووية,وصواريخه العابرة العابثة, فضلاعن العبث في البحار والمحيطات مما جعل توازنها يختل فتحركت الصفائح وأسودت الصحائف ولم يعد يشغلنا سوى سؤال واحد..هل نحن على خط الزلازل؟ .