مراقبة حتمية
فاتح عبد السلام
حين تدخل الى أي مطار في العالم، تكون صالات الأسواق الحرة تحت انظار كاميرات المراقبة، وهي محال تجارية مفتوحة، لك أن تحمل منها ما تشاء من البضائع من دون يسألك احد ، لكنك مجبر في النهاية التوجه بنفسك الى نقاط الدفع لتسديد ثمن ما اشتريت، قبل أن تصعد الى طائرتك مغادراً، في ذات الوقت هناك بعض الأشخاص يظنون انّ الزحام الشديد وتداخل حركة المسافرين ووجود البضائع في متناول الايدي، هي حالة سائبة لكي تتصرف كما تشاء من دون رقيب او مساءلة.
وفي الحقيقة هناك غرف خاصة لها سيطرة مركزية على كاميرات تراقب بشكل تفصيلي جميع الداخلين والخارجين من الصالات، وتكون المراقبة دقيقة للأشخاص الذين يشتبه بحركاتهم وتصرفاتهم في الأسواق الحرة، وفي لحظة حاسمة يواجه الذين امتدت أيديهم الى البضائع بالسرقة، التفتيش والقبض عليهم والاحالة الى القضاء بالجُرم المشهود، مهما كانت السرقات صغيرة كعُلب سيكائر أو قنينة عطر أو قطع ماكياج.
هذا المثال اليومي العابر والمتداول كثيراً، يشبه حال عدد من الدول ومنها العراق، التي ظنّ بعض حكوماتها والسياسيون فيها انّ المسألة سائبة، حين بدا مشهد بذل الأموال النفطية والايرادات من دون سيطرة محلية وبتوافقات سياسية وصفقات مشبوهة كما حصل في خلال عقدين من الزمان، وامتد التصرف بالثروات الى عمليات غسيل الأموال والتهريب وكسر العقوبات على دول بعينها.
الوضع العراقي بعد الانسحاب الأمريكي اثر سنوات الاحتلال المريرة، لم يخرج من مدى عيون المراقبة لواشنطن، لاسيما انّ الإيرادات المالية العراقية من النفط تدخل الى البنك الفيدرالي الأمريكي أول مرّة ثمّ تذهب الى البنك المركزي العرقي. الطبقة السياسية التي يتفشى وسطها الجهل قبل الفساد، ساد فيها الاعتقاد بأنّ تبديد المليارات والتصرف بها عبر دول أخرى سيمر من دون ان تعرف به الدوائر المالية الكبيرة في العالم ومنها الإدارة الامريكية التي بات في حوزتها معطيات كثيرة تنطوي على التزامات وواجبات تواجه بها اية حكومة عراقية تشكو من نقص التعاون الأمريكي لترميم الوضع العراقي المالي أو الاقتصادي.
في ضوء هذ التوثيق قد تكون زيارة الوفد العراقي برئاسة وزير الخارجية هي الأعلى مستوى المتاح في المدى المنظور على مستوى الزيارات المهمة، ما لم تتغير أمور جوهرية في المعادلة المتداولة.