مقالات

سيمنس‭ ‬والمشمش

فاتح‭ ‬عبد‭ ‬السلام

‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬حكومة‭ ‬عراقية‭ ‬تصل‭ ‬الى‭ ‬الحكم‭ ‬منذ‭ ‬خمس‭ ‬دورات‭ ‬في‭ ‬الأقل،‭ ‬كان‭ ‬يتردد‭ ‬اسم‭ ‬شركة‭ ‬سيمنس‭ ‬الألمانية‭ ‬بوصفها‭ ‬الجهة‭ ‬المنقذة‭ ‬التي‭ ‬يتفاوض‭ ‬معها‭ ‬العراق‭ ‬لتخليصه‭ ‬من‭ ‬مشكلة‭ ‬نقص‭ ‬توليد‭ ‬الطاقة‭ ‬الكهربائية،‭ ‬تلك‭ ‬المشكلة‭ ‬التي‭ ‬أنهكت‭ ‬العراقيين‭. ‬

من‭ ‬حق‭ ‬المواطن‭ ‬العراقي،‭ ‬وقد‭ ‬عاد‭ ‬الوفد‭ ‬العراقي‭ ‬لتوّه‭ ‬من‭ ‬برلين‭ ‬ان‭ ‬يتساءل‭ ‬عن‭ ‬“الجديد”‭ ‬أو‭ ‬“‭ ‬الحقيقي”‭ ‬في‭ ‬الاتفاق‭ ‬مع‭ ‬الالمان‭ ‬هذه‭ ‬المرّة‭. ‬

وأول‭ ‬ما‭ ‬يريد‭ ‬المواطن‭ ‬معرفته‭ ‬هو؛‭ ‬هل‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬اتفاقات‭ ‬سابقة‭ ‬مع‭ ‬سيمنس‭ ‬الألمانية‭ ‬أصلاً،‭ ‬سمع‭ ‬عنها‭ ‬في‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬من‭ ‬رؤساء‭ ‬الحكومات‭ ‬السابقين‭ ‬أم‭ ‬انهم‭ ‬كانوا‭ ‬مجرد‭ ‬كاذبين؟في‭ ‬الحقيقة،‭ ‬انَّ‭ ‬المواطنين‭ ‬لا‭ ‬يريدون‭ ‬معرفة‭ ‬التفاصيل‭ ‬برغم‭ ‬حاجتهم‭ ‬أحياناً‭ ‬الى‭ ‬تقصي‭ ‬حقائق‭ ‬لا‭ ‬وجود‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬البلد‭ ‬الذي‭ ‬يختلط‭ ‬الحابل‭ ‬فيه‭ ‬بالنابل،‭ ‬لكنّهم‭ ‬ينتظرون‭ ‬نتائج‭ ‬عملية‭ ‬نافعة‭ ‬من‭ ‬الزيارة‭ ‬عالية‭ ‬المستوى‭ ‬الى‭ ‬المانيا‭.

‬مجلس‭ ‬النوب‭ ‬سيكون‭ ‬أمام‭ ‬مهمة‭ ‬لابدّ‭ ‬أن‭ ‬يضطلع‭ ‬بها‭ ‬هذه‭ ‬المرة،‭ ‬وليس‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬المرات‭ ‬السابقة،‭ ‬حين‭ ‬تتعاقد‭ ‬الحكومات‭ ‬الماضية‭ ‬أو‭ ‬تقول‭ ‬أنها‭ ‬اتفقت‭ ‬مع‭ ‬الدول‭ ‬على‭ ‬مشاريع،‭ ‬لا‭ ‬ترى‭ ‬النور،‭ ‬ولا‭ ‬أحد‭ ‬بعد‭ ‬ذهاب‭ ‬الحكومة‭ ‬ومجيء‭ ‬أخرى‭ ‬يسأل‭ ‬عن‭ ‬مصير‭ ‬ما‭ ‬قيل‭ ‬عن‭ ‬اتفاقات‭ ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬يعلم‭ ‬إنْ‭ ‬كانت‭ ‬على‭ ‬الورق‭ ‬أم‭ ‬مجرد‭ ‬تصريحات‭ ‬وتمنيات‭ ‬شفاهية‭.‬

لم‭ ‬يبقَ‭ ‬أمامنا‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الوقت،‭ ‬لكي‭ ‬نعتبر‭ ‬انَّ‭ ‬ورود‭ ‬مفردة‭ ‬“سيمنس”‭ ‬على‭ ‬لسان‭ ‬أي‭ ‬مسؤول‭ ‬حكومي‭ ‬بمثابة‭ ‬نكتة‭ ‬أو‭ ‬كناية‭ ‬عن‭ ‬موقف‭ ‬عقيم‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬أو‭ ‬حالة‭ ‬لا‭ ‬علاج‭ ‬لها‭ ‬أو‭ ‬وهم‭ ‬من‭ ‬أوهام‭ ‬الكوكب‭ ‬العجيب‭. ‬

ربّما‭ ‬أصبح‭ ‬تعبير‭ ‬‮«‬في‭ ‬المشمش‮»‬‭ ‬قديماً،‭ ‬ولا‭ ‬بدّ‭ ‬من‭ ‬بديل،‭ ‬يؤدي‭ ‬نفس‭ ‬الغرض‭ ‬ويزيد‭ ‬عليه‭ ‬حرارة‭ ‬القساوة‭.‬

نحن‭ ‬الان‭ ‬على‭ ‬أعتاب‭ ‬خاتمة‭ ‬عشرين‭ ‬سنة‭ ‬دخل‭ ‬فيها‭ ‬الى‭ ‬خزينة‭ ‬العراق‭ ‬من‭ ‬المليارات‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يدخلها‭ ‬في‭ ‬خلال‭ ‬ثمانين‭ ‬سنة‭ ‬سبقتها‭ ‬وابتدأت‭ ‬مع‭ ‬تأسيس‭ ‬الدولة‭ ‬العراقية‭ ‬الحديثة‭ ‬في‭ ‬مطلع‭ ‬عشرينات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭.

‬وبرغم‭ ‬ذلك‭ ‬لا‭ ‬نزال‭ ‬نقف‭ ‬عند‭ ‬مشكلة‭ ‬بنيوية‭ ‬واحدة‭ ‬في‭ ‬جسم‭ ‬الدولة،‭ ‬نراوح‭ ‬عندها‭ ‬مثيرين‭ ‬الغبار‭ ‬ليس‭ ‬أكثر،‭ ‬لا‭ ‬مصارحة‭ ‬حقيقية‭ ‬بشأنها،‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬انَّ‭ ‬القاصي‭ ‬والداني‭ ‬يعلم‭ ‬انَّ‭ ‬الذي‭ ‬أصاب‭ ‬قطاع‭ ‬الكهرباء‭ ‬في‭ ‬عشرين‭ ‬عاماً‭ ‬كان‭ ‬يستحق‭ ‬عن‭ ‬جدارة‭ ‬مصطلح‭ ‬المؤامرة‭ ‬المستمرة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تبدو‭ ‬لها‭ ‬نهاية‭

.‬يا‭ ‬ترى‭ ‬هل‭ ‬ستتحقق‭ ‬المعجزة‭ ‬الكهربائية‭ ‬للبلد‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬سيمنس‭ ‬هذه‭ ‬المرة،‭ ‬أم‭ ‬ستدخل‭ ‬مفردة‭ ‬‮«‬سيمنس‮»‬‭ ‬قاموس‭ ‬النكتة‭ ‬العراقية‭ ‬الأبدي؟‭ ‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى