البيض مقابل الشيوعيين
هادي جلو مرعي
عرف العراقيون العديد من حالات غلاء الأسعار، وشح المواد الغذائية حتى إن باعة الخضار أيام الحصار الأمريكي على البلاد بعد حوسمة الكويت كانوا لايبيعون الخضار المطلوبة بكثرة إلا ومعها الخضار التي يأنفها الناس، ولاتتقبلها مائدة طعامهم، فكان الباعة يشترطون شراء كيلو باذنجان مع كل كيلو من الطماطم، وكان الناس لايملكون نقودا كافية، ومسلسل فقدان البضائع الأساسية تكرر في ثمانينيات القرن الماضي، وكان بيض المائدة غالبا مايفتقده المواطنون في الأسواق حتى إشتهر رسم كاريكاتير يصور شخصية أم ستوري وهي سيدة تفترش الأرض، وتبيع المشروبات الغازية، ولكنها في الحقيقة تبيع البيض في السر، وتخفي الأمر عن لجان البلدية التي تدهم السوق من حين لآخر، وكان البعض يقصد أم ستوري لشراء البيض.
كان نظام الحكم يلاحق المعارضين السياسيين، ومنهم الشيوعيون الذين وصموا بالكفر والإلحاد، وأتهموا بالتحضير لقلب نظام الحكم، وكثير منهم فروا خلسة إلى بلدان شرق أوربا ومنها بلغاريا، وعاصمتها صوفيا، وكان النظام يتخذ تدابير عدة لكسر شوكة القوى المعارضة، ويتواصل مع حكومات دول في هذا الشأن، وكان يأمل القضاء عليهم، وكانت بلغاريا تصدر البيض إلى العراق، وكانت تتيح لمعارضي النظام البقاء فيها، وقد فكر نظام الحكم في خطة لإستدراج بلغاريا لإتخاذ موقف يلبي طموح الحكومة في هزيمة معارضيها، فأوقفت إستيراد البيض من بلغاريا إلا إذا وافقت على تسليم معارضين شيوعيين لجأوا إليها، وقد قدمت بلغاريا اللاجئين على طبق من ذهب لتعود تجارتها مع العراق فالشعب البلغاري أهم من معارضي النظام الحاكم.
ترتفع أسعار البيض بشكل مثير لإنزعاج الناس الذين تتفاوت قدراتهم الشرائية، ومنهم من لايستطيع تأمين متطلبات الحياة اليومية بعد صدمة إرتفاع سعر صرف الدولار في السوق المحلية الذي تسبب ببعض الإضطرابات في أسواق المواد الغذائية، وقد ساعد الشتاء في جشع التجار الذين إستغلوا برودة الأجواء لإحتكار كميات هائلة من البيض، وتخزينه، والإمتناع عن تسويقه بإنتظار إرتفاع أسعاره، وتحقيق مكاسب أكبر ، فالإنخفاض الحاد في درجات الحرارة يمنع من فساد البيض، بينما نجد الباعة أيام الصيف يتوسلون المارة لشراء ولو بيضة واحدة خشية فساد مالديهم من معروض مع الإرتفاع الحاد في درجات الحرارة .