2023 قوس قزح
2023 قوس قزح – ياس خضير البياتي
هو العام الجديد، به يفتتح البشر حياتهم؛ كل عام وأنتم بخير. ينتظرون ما سيخبئ لهم من فرح وسعادة، مثل كل الأعوام الماضية. توقعات وتنبؤات وأمنيات، لا يدري المرء ما سيحدث، وما سيكتبه القدر على لوح الحياة.
سيأخذ كل البشر نصيبه؛ سعادة أو حزنًا.سبحان الله مغير الأحوال والأقدار؛ دنيا غير ثابتة، وأمنيات متقلبة، وأقدار خيالها أوسع من البشر: أمل، ويأس، وبلاء، وعافية، توزع بالأقدار. لولا فسحة الأمل ما بقي في الدنيا رجاوي، وما تحملت النفس ضيقه، ولضاقت الدنيا بالبشر.أعوام مضت مسرعة، تاركة بصمات وومضات، وفواجع كبيرة، ومسرات قليلة. متواليات حياتيّة: بالحروب، والفقر، والفيروسات، والكوارث الطبيعية. أعوام تتسابق مع بعضها في صنع المآسي، وتخليد فواجع الحياة، وموتى الحروب العبثيّة. صار الإنسان يترقب كل عامٍ؛ وهو لا يدري ما ستخبئه له الأيام بزوابعها التي لا تجعل حال الناسِ تستقر.كل عام جديد، نكتبه بحروف الأمل، ونتمنى أن يكون عامًا سعيدًا وهادئًا بالأحداث، بدون عواصف الفيروسات والاقتصاد. لكن الحياة تبدو أصعب وأعقد مع تلوث المناخ وقلة الأوكسجين، وهوس الحروب والفساد، وطمع الشركات واستغلالها للنكبات. دنيا قَوس قُزح بألوانها الطيفية الحياتية ، وانكساراتها المختلفة ،وبهجتها السريعة.لاتزال الأزمات التي حدثت عام 2022 تعوق النمو الاقتصادي للبلدان، حيث يشهد الاقتصاد العالميّ الآن أشد معدلات التباطؤ ما بعد الركود منذ عام 1970.
لكن الخوف الأكبر هو:
وقوع صدمة خفيفة خلال العام الجديد كفيلة أن تُحدث أكبر ركودٍ اقتصادي، وهي وكارثة كبرى للبشر. تذكروا الجملة رجاءًوللتذكير بلغة العلم، مازالت آثار جائحة كورونا مستمرة. وهناك ارتباط قوي بين الناس وكوكب الأرض والاقتصاد. لذلك، ومع دخولنا العام الجديد، سيعيش ما يصل إلى 685 مليون شخص في فقر مدقع، أي 7 بالمئة من سكان العالم، وهي نسبة كبيرة للغاية مقارنة بالهدف العالمي البالغ 3 بالمئة في عام 2030.
ومعها ستغرق بلدان العالم الثالث بالديون الحرجة، والتعرض للمخاطر، حيث أرتفع إلى نسبة 352 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.كما يشهد العام الجديد تفاقمًا في مشكلة الغذاء، وارتفاعًا حادًا في انعدام الأمن الغذائي، وزيادة كبيرة في أسعار المواد الغذائية بسبب استمرار الحرب الروسية-الأوكرانية، وارتفاع معدلات التضخم.
كما يشهد العالم المزيد من تفاقم الآثار المناخية؛ حيث التوقع أن تزداد الفيضانات وموجات الجفاف والحر الشديد إلى أعلى مستوياتها منذ 500 عامنقول هذا الأمر؛ لأن التاريخ حلقات مترابطة من الأحداث والتجارب، وتراكم معرفي يتكرر فيه الحدث الواحد، وتستحدث فيه الظواهر، حيث تتناسل المشكلات تناسلًا طرديًّا، وتفتح آفاق الحياة بسهولة، وأحيانًا تغلق منافذها.مرة أخرى، هل يمكن أن التنبأ بالمانشيتات العراقية الحمراء لعام 2023 بطريقة الطلاسم وقراءة الأبراج؛ أم الأفضل قراءة الأحداث بمنطق علم المستقبليّات بالتنبؤ والربط والتحليل-كما فعلنا في السنوات الماضية.عراقيّاً، وكما قلت سابقاً، لا يحتاج العراق إلى مفكر استراتيجي ليتنبأ بالقادم التعيس. ولا إلى مفكرٍ ماليّ؛ ليكتشف خطأ السياسة المالية والاقتصادية. فالعراق المأزوم المتأزم فتح أبواب جهنم على نفسه بعد كسر أقفال الدولة من قبل الأحزاب الدينية، والدولة العميقة، ومافيا الفساد، وارتهان القرار السياسي بيد الأجنبي.هل هناك أمل؟ سؤال كبير لكنه لا يساوي صفرًا في امتحانات الحياة العراقية. فالأمل غادرها العراقي منذ سنوات، بل صار همًّا يجثم على صدره.
صارت الكلمة صفرًا على اليمين، لا هي في العير ولا هي في النفير. صارت كلمة بلا معنى. وإحدى نوادر الشارع العراقي، يضحك عندما يسمعها، ويقول لك بسخرية:
“أمل” أمرأه طيبة ماتت منذ زمن. الله يرحمها!لذلك، كنت أتردد بذكر كلمة (الأمل)؛ لأنني أعرف بأنها أصبحت مزحة في قاموس الحياة العراقي، الغارق بالفواجع والكوارث والأزمات؛ يجلس في بيته وتحته منابع النفط، ومع ذلك هو أفقر البشر حالًا، وأتعس الحياة عيشًا، وأقسى الظلم حضورًا، وأردأ بيئة وشوارع ومدارس ومستشفيات. وتحيطه من الجهات الأربعة: المستنقعات الآسنة والمزابل، وذباب الفساد والفاسدين.من المتوقع أيضًا أن يكون العام المقبل غير قابل للتنبؤ بشكلٍ خاص بالنسبة للمخاطر والفرص المستقبلية. بالنظر إلى التفاعلات بين الخوف من عودة الوباء، وعودة الركود الاقتصادي، وضغط الحروب والكوارث، وآثارها على العراق المريض بغياب الرؤية السياسية، والمريض بالفساد.وعندما نفتح نوافذ العراق عام 2023 فإننا نفتح معها حقيقة الحياة (بحلوها ومرها) لكي نهيئ أنفسنا بمخاطر القادم من الأحداث، والتسلح بمعارف الأمل.
فهناك عواصف سياسية ومالية كبيرة ستعصف بالبلاد-رغم الميزانية الضخمة، وتنفيذ بعض خطط المنهاج الوزاري، واستجابة السوداني لمتطلبات الشعب في رفع الحصة التموينية، وتعيين الشباب، وتلبية حاجات الطبقات الفقيرة-لكن الأمر لا يعدو أن يكون ترقيعًا لظاهرة عامة مصابة بالأورام السرطانية الكثيرة.هناك خوف من المجهول؛ هبوط أسعار النفط، وما يسببه من مآسي للاقتصاد العراقي، ولحياة العراقي المعيشية.
بقاء الفساد دون حل جذري، وبأسلوب الترقيع البطيء، خوفًا من رؤساء مافيات الأحزاب الفاسدة. علاقة السوداني بالإطار التنسيقي، وتقييد حركة الفعل والمناورة في اتخاذ القرارات المصيرية؛ التي قد تتعارض ومصالح الإطار.
بقاء السلاح المنفلت يتجول بحرية في شوارع العراق، وعودة الشباب التشريني بفعل فاعل أو بفعل وطني، وعودة (داعش) بفروعه المحلية والإقليمية والدولية لإثارة الفوضى وإثبات الوجود؛ لأنه مازال ورقة ضغط وابتزاز من قِبل الكثير من اللاعبين المحليين والدوليين.قاطرة عراق عام 2023 ستسير ببطيء شديد نحو حلم النجاة، لكنها محملة بألغام كثيرة، بعضها مصنوع محليًّا، والآخر أجنبيًّا. ربما سنشهد مفاجآت من الوزن الثقيل:
عودة “التويتر” السياسي وألاعيبه الباطنية، وانشقاقات بين تحالف الأحزاب، واستثمار الدولار سياسياً، وانقلاب مفاجئ على السوداني من بعض قوى التنسيقي، و”زعل” مخفي بين المركز والإقليم، ولعلّعة الرصاص هنا وهناك.من الآخر، الخطأ اختزال العراق في صورة واحدة؛ حتى ولو كان في غرفة الإنعاش: العراق يمرض ولا يموت!