لم تعد عندي الآن بندقية
حمزة مصطفى
إشتهرت خلال ثورة العشرين الأهزوجة المعروفة “بيع أمك وأشري البارودة”. والهدف هو محاربة الإنكليز. وعلى ذكر العلاقة الجدلية بين الأم والبارودة أو البندقية فإنه مما يتذكره أبناء جيلي ممن خدم في مراكز التدريب أيام التجنيد الإلزامي أن أحد الضباط سأل جنديا مستجدا عن إسمه فقال له حسن.
وسأله عما يحمله فقال له البندقية سيدي, لكن الضابط قال له لا هذه أمك لأن البندقية في ساحة المعركة مثل الأم.
الضابط عاد ليسأل الجندي ثانية ماأسمك؟ حسن سيدي. وهذه التي تحملها.. أمي. الضابط “طبطب” على كتف الجندي مشجعا وعلى الفور سأل زميله الذي يقف الى جنبه.. ما اسمك. فقال له إسمه وهذه التي تحملها أجاب متحمسا.. أم حسن سيدي. فيروز من جانبها غنت “أصبح عندي الآن بندقية”.
أما أحد التنابلة فقد كانت مشاركته في المعركة مجرد نداء”يا بنت العم كومي إعطيني البارودة”.
قبل عشاقنا وثوارنا جميعا نسب بيتان الى عنترة بن شداد يتذكر إبنة عمه عبلة وهو يخوض نزالا بالسيوف والرماح “ولقد ذكرتك والرماح نواهل مني .. وبيض الهند تقطر من دمي”. ولم يكتف بذلك بل ذهب الى ماهو أبعد “فوددت تقبيل السيوف لأنها.. لمعت كبارق ثغرك المتبسم”. لم يلحق عنترة ولا من هو مستعد لبيع أمه لكي يشتري البارودة على الأسلحة التي تحاصرنا اليوم. فلقد بتنا ننام على تهديد بالنووي من بوتين كلما حاصره زيلينسكي, ونصحو على صاروخ يتلذذ كيم ايل جونغ بإطلاقه في عرض البحار. بالنسبة لنا فإن حكايتنا مع السلاح الذي صار يحلو لنا تسميته بالمنفلت حكاية طويلة مثل حكاية غرام فريد الأطرش. ففيما تمر علينا فترة ننام على صاروخ كاتيوشا لا نعثر الإ على منصة إطلاقه ونصحو على قذيفة هاون, فإن فترة هدوء طويلة تمر لا هذا ولا ذاك ماعدا إستثناء واحد لايكل ولا يمل هو البندقية التي تتعدد إستخداماتها “الفاكسة” قبل أن يكسرها الشيخ عدنان السهلاني.
فالبندقية هي الإستثناء الوحيد من كل قواعد التعامل مع السلاح لأنها دائمة الإستخدام بمناسبة وبلا مناسبة. في الرياضة عند الفوز “الحمد الله صار لنا سنوات لم نفز” نعبر عن فرحنا بسلسلة شواجير من بندقية كلاشنكوف. وحين نريد أن “ندك” أحد على خلاف معه فليس هناك سوى عدة رشقات من البندقية وقد يحصل ذلك أحيانا أمام أنظار الشرطة بإعتبارها في خدمة الشعب وأور وراغبة خاتون. الأمر نفسه يحصل خلال النزاعات العشائرية وفي العراضات وأثناء الأعراس حيث لاتكتمل الزفة مالم يصاحبها الرصاص الحي. هذه القاعدة كسرها الشيخ عدنان السهلاني أحد شيوخ عشائر الجنوب حيث إنتشر فيديو له مؤخرا وهو يقوم بكسر وحرق بندقية نجله لأنه إستخدمها في زفة عرس عادا ذلك مخالفا لأوامر المرجعية والقانون بل وحتى الأعراف العشائرية التي لاتجيز ذلك.