الانتحار .. خلاص ام هروب من الواقع
يواجه الإنسان الكثير من المصاعب في حياته، و تزداد صعوبة تجاوز الظروف مع كل مرحلة ينتقل إليها، فيبدأ بالبحث عن مخرج من الفوضى التي تعم به، لأن غريزة الانسان و طبيعته البشريةتدفعه للبقاء ضمن دائرة يشعر فيها بالأمان، بعيداً عن التعب و السوء الذي يحدث له ، فليس كل انسان يمتلك طاقة لمواجهة الظروف، خاصة إن كانت تحيط به المشاكل بشكل عنيف و قوي، لتشكل ضغوطاً متعددة، كالضغوط النفسية و المادية و المجتمعية، حينها لن يكون امر مواجهة هذه التحديات امراً سهلاً ، بل سيكون أشبه بالحرب الطاحنة، قد تؤدي إلى نتيجة واحدة لا محالة، اما نجاة الانسان أو هلاكه في هذه الحرب.
موت على طريقة الانتحار
انتشرت في المجتمع العراقي في الآونة الاخيرة ظاهرة الانتحار بشكل كبير و ملفت ، فلا يمضي يوم او يومين دون أن نسمع خبر انتحار أحد الاشخاص، فما الذي يدفع المنتحرين للتخلي عن حياتهم و اخذ هذا القرار الصعب بهذه الجرأة.
إن الانتحار ليس بالأمر السهل لأي انسان، فمهما كانت الظروف صعبة، يجب على الانسان ان يواجهها بقوة ، ليحافظ على توازن الحياة، لأن ضعفه سيؤدي لهلاكه.
يقول عضو المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق، علي البياتي، إن الفترة الماضية من هذا العام سجّلت ارتفاعاً كبيراً في نسب الانتحار في المحافظات كافة ، وكانت للعاصمة بغداد الحصة الأكبر من هذه النسبة، جراء تفشي البطالة والفقر بشكل كبير في عموم البلاد، و أن تسجيل حالات الانتحار في العراق، أصبح يتم بشكل شبه يومي تقريبا في بعض المحافظات، وخصوصاً في العاصمة بغداد، وغالبا ما يكون المنتحر من فئة الشباب وتحديدا من الفتيات.
لكن المتحدث باسم وزارة الداخلية العراقية، اللواء خالد المحنا، يقول إنّ “العراق يعدّ من أقل الدول تسجيلا لحالات الانتحار، مقارنة بجيرانه، ولا يمكن القول بارتفاع النسب دون الانتهاء من عمل الجرد السنوي لهذه الحالات، مع نهاية كل سنة، وأن وزارة الداخلية تعمل وفق لجان مخصصة للحد من هذه الظاهرة، وهناك اشتغال على مختلف الأصعدة بهذا الجانب من عقد الندوات والدراسات وبعض الإجراءات الرادعة، كما أن غالبية حالات الانتحار هي لأشخاص يعانون من أمراض واضطرابات نفسية”.
الخبير في الشأن الاجتماعي العراقي، طه حسين يقول بشأن ارتفاع حالات الانتحار في الآونة الأخيرة، أنه بعد التدقيق في أعمار المنتحرين كشف عن ظاهرة لم تسجل من قبل وهي وجود كبار السن ، ما أثار غموضاً حول الأسباب التي دفعتهم إلى هذه النهايات المأساوية التي كانت للشباب حصة الأسد فيها لسنوات، و الانتحار يبقى ملفاً مثيراً للقلق، كما أن المحاولات الفاشلة أغلبها لا توثق بسبب سعي ذويهم لإخفاء الحقائق، لما يشكل لهم هذا الأمر من إحراج”.
اسباب كثيرة للإنتحار منها…
ان الاسباب التي تدفع الانسان لقتل نفسه بطريقة باردة، متعددة و متنوعة،
و المشاكل العائلية لها الحصة الاكبر من الاسباب، فإن اغلب حالات الانتحار ، أو محاولات الانتحار التي سجلّت، كانت لأناث عانين في حياتهن من الأضطهاد و التعنيف المستمر من قبل الأهل، و ذلك يكون بعدة امور، كحرمانهن من التعليم، و تقييد حرياتهن ، و محاسبتهن او تعنيفهن بأستمرار ، أو اجبارهن على الزواج ، و الخضوع لأوامر العائلة.
إن اسوأ العائلات هي تلك التي تمارس الضغط بهذه الطريقة السيئة على الابناء، خاصة المراهقين منهم، فإن التعامل مع هذه الفئة يكون نوعا ما صعباً، لذلك تتغاضى الكثير من العائلات عن هذا الأمر، و يتصرفون بطريقة استبدادية عنيفة تخلو من التفاهم و النقاش مع الابناء لفهم معاناتهم و مشاكلهم ، و تقديم النصح، و مد يد العون لحل هذه المشاكل.
كذلك من الأسباب الشائعة للانتحار هي الاسباب المادية، فكثيراً ما نلاحظ اقدام الأب المعيل لعائلته على الانتحار، للتخلص من الاعباء و المسؤولية التي بات من الصعب عليه تحملها، و هو يقف عاجزاً لا يستطيع سد النقص المادي، و توفير متطلبات العيش اللازمة لعائلته مهما كانت تلك المتطلبات سهلة أو بسيطة.
لا ننسى الجانب النفسي ، أو العاطفي، أو الأضطرابات، او الاكتئاب ، أو اليأس بسبب موقف معين كالفقد، او الاحباط او التنمر المستمر على الشخص، و ذلك ما يجعله يشعر بالضعف و قلة الثقة بالنفس و عدم الامان في البيئة المجتمعية، و الأزمات الكثيرة كأزمة البطالة التي يعاني منها المجتمع، او عدم توفر فرص العمل، و ذلك ما دفع البعض من الشباب للعمل بشكل غير قانوني، مثل بيع المخدرات لتوفير المال، او تعاطي المخدرات للهروب من حقيقة الواقع.
احصائية جديدة و الاعداد في تزايد
ان معدلات الانتحار في عام 2022 تزايدت بشكل مستمر و حتى الآن لا توجد إحصائية نهائية لهذا العام، و يقول المتحدث باسم وزارة الداخلية اللواء خالد المحنا « أن حالات الانتحار المسجلة في عام 2021 بلغت 772 حالة وهي أكثر بنحو 100 حالة عن العام الماضي التي بلغت فيه 663 حالة»
وأشار المحنا إلى أن «حالات الانتحار بدأت منذ عام 2016 تتجه نحو الازدياد، ففيه بلغت حالات الانتحار 393 حالة، وفي عام 2017 بلغت 462 حالة، وعام 2018 بلغت حالات الانتحار 530 حالة، أما في عام 2019، فقد بلغت 605 حالات»
وبينت الإحصائية أن «النسبة المسجلة لحالات الانتحار بين صفوف الفئات العمرية أقل من 20 سنة كانت 36.6 في المائة، ومن سن الـ20 عاماً إلى 30 عاماً كانت32.2 في المائة».
وأظهرت الإحصائية أن حالات الانتحار بين الذكور تشكل 55.9 في المائة، فيما تشكل نسبة 44.8 في المائة بين فئة النساء، وكشفت عن أن نسب الانتحار بين صفوف العزاب بلغت 55 في المائة، وبلغت بين صفوف المتزوجين 40 في المائة.
وأظهرت أيضا، أن نسبة الانتحار وقعت معظمها بين صفوف غير المتعلمين أو حصلوا على تعليم متواضع ولم يكملوا تعليمهم الابتدائي.
حيث بلغت النسبة بين صفوف هذه الفئة 62.2 في المائة، أما من حصلوا على «تعليم ما دون المرحلة الدراسية المتوسطة فبلغت النسبة 16.9 في المائة والعاطلون عن العمل 35 في المائة، وربات البيوت 29.9 في المئة».
و أكدت الإحصائية أن هناك أسباباً عديدة من الانتحار تتعلق بالضغط النفسي، وشكل عدد المنتحرين من هذه الفئة نسبة 36.22 في المائة، أما الاضطرابات النفسية فبلغت 34.64 في المائة.
دور المجتمع للحد من حالات الانتحار
ان المسؤولية الكبيرة للحد من هذه الأزمة تقع على عاتق الجميع ، و ذلك لا يكون الا بالحلول التالية…
اولاً: توعية الاهل و ذلك بعقد ورش تنموية و تثقيفية بكيفية التعامل بالشكل الصحيح مع الابناء و تقديم الدعم النفسي اللازم لهم، و عدم استخدام اساليب الضغط و فرض السيطرة و تقييد افكارهم و حرياتهم، و اعطائهم مساحة خاصة ليشعروا بأن لهم دور في هذه الحياة، و عدم استخدام لغة التعنيف معهم.
ثانياً: دور الدولة في تحسين الظروف المادية من خلال توفير فرص العملة للشباب وتوفير الحاجات الاساسية التي تساعدهم في تخطي الاسباب التي تدفعهم للانتحار .
ثالثاً: تشديد العقوبات القانونية بحق تجار المخدرات التي انتشرت بشكل سريع بين فئة الشباب خاصة المراهقين، فأدت إلى ادمان الكثير منهم و قد ساهمت بأرتفاع حالات الانتحار بين المتعاطين.
رابعاً: اهمية الاعلام و صفحات التواصل الاجتماعي في المساعدة و منع ازياد الحالات لأنه الوسيلة المباشرة و المؤثرة على عقل المجتمع، و دوره يتمثل بتقديم برامج توعية و محتوى تنموي هادف، و التأكيد على أن الانتحار ليس حلاً للمشاكل بل هروباً من الواقع الى الموت.
خلاصة الحديث
إن ارتفاع حالات الانتحار ظاهرة تستدعي الاهتمام و التعامل الصحيح من الجميع، و ذلك بمعرفة الاسباب و المسببات، وتقديم الحلول، و معالجة المشاكل التي أحاطت بالمجتمع من كل جانب، و جعلت حياة اكثر الناس على المحك ، و دفعتهم لإنهاء حياتهم للتخلص من معاناتهم الكثيرة التي وقفوا عاجزين عن إيجاد حلول لها.
حتى الآن لا توجد احصائية دقيقة و حقيقية للأشخاص الذين يقدمون على الانتحار، لكن لا نخفي سراً، أن الارقام التي بين يدينا هي ارقام مخيفة و مولمة، فـإنه ليس من السهل على الانسان إن يلجئ لقتل نفسه دون أن يعلم أحداً ما كان يعانيه او ما كان حدث له، احياناً تكون المواقف شديدة، يصعب على الآخرين تحملها لأنها تفوق قدرتهم على التخطي و التجاوز، لأن الطبيعة البشرية لها طاقة معينة ما ان تنفد، يفقد الانسان قدرته على الاستمرار.
تقرير لـ نبراس جمال