العراق بلد الفرص الضائعة
الكاتب : لؤي عبد الاله
لم يمضِ على تلك المقابلة التاريخية التي أجرتها مجلة “التايم” الأميركية مع “الباشا” أكثر من سنة وشهر وأربعة أيام قبل أن يلقى مصرعه وسط الشارع وهو متخفٍ بعباءة امرأة، بعد مضيّ يوم واحد على “ثورة” 14 يوليو (تموز)، ولا بدّ أنه صُعق باِسم قائدها، إذ لم تمضِ سوى أسابيع قليلة على استدعائه إلى وزارة الدفاع، بعد بلوغ معلومات استخباراتية عن هذا الضابط الكفء، ذي السمعة الحسنة، والمحبوب من رؤسائه ومرؤوسيه، بأنه طرفٌ في مؤامرة تهدف إلى قلب النظام السياسي.
وكان المُحقّق معه نوري السعيد نفسه، الذي سأله بنبرة أبويّة مرحة “سمعنا أنك تريد قلب الحكم، كرّومي”، فلم يكن أمام العميد الركن عبد الكريم قاسم إلا أن يقسم بأغلظ الأيمان، ببراءته وإخلاصه له وللعرش.
ما الذي جعل رئيس أول وآخر حكومة للاتحاد الهاشمي، الذي جمع العراق والأردن، يصدّق هذا الضابط تماماً، ويبرؤه من تهمة التآمر؟
لعل أحد الأسباب هو أنه كان يرى في عبد الكريم قاسم صورته، فهو الآخر من عائلة بغدادية فقيرة مثله، ومثله كان دؤوباً وعصامياً، ولعله لم يكن قد اكتشف آنذاك أنه محنّكٌ وماكرٌ مثله.
ولعل فكرة أن يكون هذا الضابط المثالي متآمراً هو الآخر أرعبت السعيد، إذ في هذه الحال لن يكون هناك أيّ عسكري كبير في الجيش يمكن الائتمان إليه.
كان عقد الخمسينيات من القرن الماضي شديد التميز في تاريخ العراق الحديث، ففيه تعمّقت حالةٌ من السلم الأهلي، وبدأت مؤسسات الدولة المدنية بالتنامي، على الرغم من مناهضة الأحزاب “الوطنية” للنظام الملكي، لكنها ظلّت ذات طابع نخبوي.
وإذا كانت حركة الضباط الأحرار نشأت في أواخر الأربعينيات، بهدف إسقاط الحكم الملكي، فإن عدد أفرادها لم يتجاوز المئتين عام 1958، وهذا يمثّل 5 في المئة من عدد ضباط الجيش العراقي آنذاك. ولعل هذه النسبة تنطبق، في أحسن الأحوال، على الأحزاب “الوطنية” و”الثورية” وأنصارها.
فالجزء الأكبر من أعضاء الحزب الشيوعي ومناصريه هم من طلاب الثانويات والجامعات، وهؤلاء كانوا يجدون في النشاط السياسي والمشاركة في المظاهرات والإضرابات نوعاً من الفاعلية الاجتماعية التي تكسر حالة الجمود والسكونية، والفصل الاجتماعي الحاد بين الذكور والأناث، وتغلغل القيم العشائرية والدينية في حياتهم، فكأن الانتماء إلى حركة تقدمية عابرة للأديان والمذاهب والإثنيات هو الطريق الوحيد لإزالة تلك “الغيتوهات” التي تقسّم بغداد إلى كيانات مجتمعية صغيرة وخانقة في كل حيّ.
كأن النظام الملكي كان يحفر بيده قبره، فبالقدر الذي يزداد عدد الطلاب الثانويين والجامعيين، بفضل الدأب على تطوير التعليم وتوسيعه، بالقدر نفسه تزداد النقمة ضده.
لقد ظلّت شريحة المثقفين “المعتدلين” قادرةً على التنقل بين الطرفين المتعارضين، بفضل وجود حوار ما بين أفرادها، فهناك شخصيات مثل عبد الكريم الأزري وخليل كنة في الطرف المعارض لـ”المعاهدة” (مع بريطانيا) ودعاتها، لكنها تحوّلت لاحقاً إليه، وتولّت مناصب وزارية عالية، والعكس صحيح.
قد يكون الشعور الطافح بالتفاؤل وراء إغماض العين عن أولئك الذين أُبلغ عن ضلوعهم في منظمة سرية للضباط تسعى إلى تقليد ثورة يوليو (تموز) في مصر عام 1952، فالنجاح في فرض مبدأ اقتسام عوائد النفط بالتساوي مع شركة النفط الأجنبية، أدى إلى تحقيق نجاح كبير في مشاريع الإعمار، وانطلاق أول بث تلفزيوني في العالم العربي عام 1956.
خلال عامي 1956 و1957 انتقلت في بغداد فقط، آلاف العائلات العراقية، ذات الدخل الضعيف، إلى مساكن اجتماعية جديدة، مقابل أجور رمزية، وكانت هناك خطط أخرى لإنهاء مدن الصفيح التي بدأت تتنامى في بغداد مع زيادة عدد المهاجرين الريفيين إلى العاصمة، وحسب خطط “مجلس الإعمار” كان من المفترض بناء 400 ألف بيت في شتى أنحاء العراق بحلول عام 1980.
في المقابل، أصبحت بغداد بوتقةً متميزةً للأدب والفنون، فمن كلياتها ومنتدياتها برزت حركة الشعر الحر وأساليب جديدة في الرسم والنحت والموسيقى، وهذا ما شجع الملك فيصل الثاني على دعوة عدد من المعماريين البارزين عالمياً، مثل الفرنسي لوكوربوزيه والأميركي فرانك لويد رايت، للإسهام في تصميم المباني التي كان “مجلس الإعمار” يخطط لها، وبهذه الخطوة كان الملك الشاب راغباً في إظهار صورة حديثة لبغداد أمام العالم. وعلى ضوء ذلك، صمّم لوكوربوزيه صالةً للألعاب الرياضية، في حين صمم رايت مبنى المتحف الوطني، وكان الأخير شغوفاً جداً بتاريخ العراق القديم، ومطلعاً على الموروث الغني للبلد، فكانت فكرته خلق هوية مشتركة للعراقيين من خلال إحياء تراثهم القديم عبر التصميمات الجديدة. فأدخل في تخطيطاته الزقورات السومرية والقباب والأقواس والأبراج العباسية وغيرها، كذلك صّمم أكبر دار أوبرا في الشرق الأوسط، تحفّ بها نماذج مما أنجزته أجيال العراقيين القدامى.
لكن كل هذه التخطيطات ذهبت أدراج الرياح.
كانت “ثورة” 14 يوليو (تموز) نهاية لهذه المغامرة، الهادفة إلى إقامة حكم مدني دستوري يسعى إلى تمثّل النظام الديمقراطي الغربي، في بلد دخل للتو إلى العصر الحديث، ويعيقه موروث استبدادي ثقيل كالعراق.
في أحد خطاباته عام 1959، قال رئيس الوزراء الأسبق، عبد الكريم قاسم، مبرراً سبب قيامه بالثورة “لو اعتقدنا أن باستطاعة الشعب أن يزيل كابوس الظلم الجاثم على صدره لما تدخلنا بالقوة المسلحة”.
ولعل هذا الخطاب يكشف النهج الذي سار عليه النظام الجديد، بتشويه صورة النظام الملكي أقصى ما يمكن وجعل رجاله مجرد خونة وعملاء لبريطانيا. وفي الوقت نفسه، حصد التقدير والإطراء من الناس العاديين على افتتاح مشاريع كثيرة كانت في طور الإنجاز أو التخطيط، فأصبح افتتاحها على يد الزعيم “الأوحد” نوعاً من الطقس المتكرر الذي يبرر مسح 37 سنة من تاريخ تكوّن دولة العراق الحديثة من الذاكرة الشعبية، وخصوصاً الأطفال.
بفضل روحية المجتمع المدني السائدة خلال الحكم الملكي، صدر القانون المدني العراقي عام 1951، وقد سبقه صدور مجلد كبير عن الأعمال التي دارت في العديد من المؤتمرات العديدة المخصصة لمناقشة فقراته بين رجال القانون آنذاك.
وما زال هذا القانون الذي صيغ على نار هادئة (لا تناسب حماسة الثوار) أرضيةً يعود إليها المتقاضون، ففي بنوده مزيج من عناصر تنتمي إلى الفقه الإسلامي والقانون الفرنسي والبريطاني. بل حتى قانون الأحوال الشخصية الصادر عام 1959 كان مُصاغاً بنفس هذا النفس البطيء، ويتردد أنه أنجز بنفس الطريقة التي أنجز فيها القانون المدني العراقي، لكن النظام الملكي كان يخشى ردود فعل الأوساط الرجعية ضده، بينما لن يلقى أي دعم من “الوطنيين” و”الثوريين”، ما جعله يؤجل إقراره، حتى وقوعه بيد عبد الكريم قاسم، فأصدره وكسب إطراءً وتقديراً شعبياً واسعين.
البدء من الصفر، وانتظار قدوم البطل المنقذ، بملابسه العسكرية، وفوق كتفيه النجوم والسيوف الذهبية، وعلى خاصرته مسدس، هما الشرطان الأوليّان اللذان يجعلان المواطن العادي يشعر بالأمان. ولتعميق هذا الشعور، أصبح للضباط المناصرين له تماماً مناصب حكومية، فكأن دور الجيش ليس كما كان مؤسس الدولة العراقية يعتقد: خلق قوة تكسر روح التمرد لدى العشيرة على الدولة والنظام، إضافة إلى حماية البلد من العدوان الخارجي، بل هو مصادرة الحكم الدستوري المدني بالكامل.
غير أن عبد الكريم قاسم، الذي كان يحظى برئاسة حركة الضباط الأحرار بفضل مرتبته العسكرية الأعلى بينهم، أصبح الآن أمام حقيقة سيادة النزوع “العروبي الوحدوي” بين العديد من ذوي الرتب العالية فيها، وللتخلص من نفوذهم أعاد توزيعهم على قطاعات الجيش البعيدة عن العاصمة، وكأنه بذلك أسقط أي فضل لمؤسسي هذه الحركة ودورهم في توفير الأرضية التي تحقق فيها إسقاط النظام الملكي بالكامل، فخلق هذا الإهمال لهم رغبة بالانتقام منه، وهذا ما جرى بعد أقل من عام، وما ترتب عليه من إعدامه عدداً كبيراً من رفاق السلاح.
غير أن الثورة “بنسفها بنية السلطة القديمة والتركيبة الطبقية القديمة، أخلّت بالتوازن الدقيق القائم بين المجتمعات العرقية والطائفية المختلفة في العراق، وأساساً بين العرب والأكراد، وبين الشيعة والسنة، الناجم عن عدم التساوي في التطور الاجتماعي لهذه المجتمعات أساساً، وكانت إحدى النتائج غير السارة هي ثورة الأكراد التي جاءت لتضاف وبشكل حاد وصارخ إلى تقلبات الثورة وصعوباتها” (حنا بطاطو، الكتاب الثالث، صفحة 117).
كانت فترة السلم الأهلي الطويلة وتنامي قوة الجيش العراقي، ودعم بريطانيا خلال عقد العشرينيات، قد وفرت المناخ لتلك الندوب القائمة بين العشائر التي كانت تتنازع على الأرض، أو في المناطق متعددة القوميات، كي تلتئم، بحكم قوة العادة، لكن تفجُّر الصراع بين الشيوعيين والبعثيين في بغداد أولاً، حول دعوة الأخيرين إلى وحدة فورية مع الجمهورية العربية المتحدة التي كانت تضمّ مصر وسوريا، ومقاومة الشيوعيين لهذه الدعوة، آلت إلى نزاع عنيف بين الطرفين، وجرّت أطرافاً أخرى إلى هذا الطرف أو ذاك، وفي هذا الظرف برزت شخصيات سيكوباثية، مثل صدام حسين، قادرة على كسر المسيرات الشعبية المؤيدة للشيوعيين، لتصبح جرائم الاعتداء على الآخرين أو قتلهم أعمالاً بطولية تحسب لصالحهم، لأن القضاء نفسه أصبح مسيَّساً.
لكن زلزال الثورة لم يبقَ في حدود بغداد، ففي الموصل وكركوك انفجر نزاع دموي بين مكونات مجتمعية كانت حتى الأمس متعايشة مع بعضها البعض، وتحت يافطة “التقدمي” و”الرجعي” انقسم المجتمع بشكل حاد.
وإذا كان عبد الكريم قاسم نجح في كسب الكثير من العراقيين غير المسيَّسين، عبر بساطة حياته وسهولة وصول الأفراد العاديين إليه، فإنه من جانب آخر، كرّر نفس أساليب نوري السعيد بدرجة أكبر، بسبب التضخم الكبير في أنصار الحزب الشيوعي وإلى درجة أقل حزب البعث، فأصبح سحب إجازات الأحزاب والصحف ووضع قيادييهم وأعضائهم وراء القضبان نمطاً سائداً.
لذلك جاء انقلاب 8 فبراير (شباط) 1973 ليفتح جرحاً أعمق، وليفقد البلد كوادر كثيرة مرتبطة بالحزب الشيوعي، والكثير من الضباط ذوي الكفاءة العالية، بمن فيهم عبد الكريم قاسم.
كان قتل نوري السعيد وتقطيع جثته على يد الغوغاء، فيما كان قادة الثورة العسكريون يراقبون بانتشاء المشهد الوحشي، لحظة سوداء في تاريخ العراق الحديث، عمّقه ذلك الموقف اللامبالي تجاه إبادة العائلة الملكية بأكملها، من دون أن تسبِّب صدمة أو خدشاً في مشاعر الزعماء السياسيين.
وكأن هذا الحدث فتح الباب صوب هوة عميقة سيدخلها العراق. لقد ترك خروج الأحزاب “الثورية” السرية إلى العلن، وما كانت تحمله في ممارساتها وشعاراتها من تمزيق للحمة الانتماء إلى وطن واحد، جروحاً عميقة في نسيج ذاكرة المجتمع غير قابلة للالتئام، إلا بعد أجيال عديدة.
فما ترتّب على ثورة 14 يوليو (تموز) من ضياع كوادر مهنية كثيرة، وإقصاء لمشروع تنموي كان يهدف إلى إعادة مجد وادي الرافدين بإحياء القنوات التي أغلقتها رواسب الطمي عبر مئات السنوات، وغسل الأراضي التي غطتها الأملاح، جنباً إلى جنب، مع مواصلة إرسال البعثات الطلابية للدراسة في بريطانيا وأميركا، وبناء المصانع المرتبطة بالمنتوجات الزراعية، لتحقيق بلد ليس مكتفياً بتغذية نفسه، بل بتصدير منتجاته الزراعية إلى الخارج.
في شهر سبتمبر (أيلول) 1963، أي بعد وقوع انقلاب 8 فبراير بسبعة أشهر، أُعيد توزيع 1.800.461 دونما (وحدة عيارية) من الأرض على 35.104 عائلات فلاحية “على الرغم من أنه كان تم الاستيلاء على 2.802.366 دونما من شيوخ العشائر” (حنا بطاطو، الكتاب الثاني، صفحة 148)، أي أن ما يقرب من نصف الأراضي الزراعية ظلّ من دون استعمال، وهذا ما زاد من الهجرات الواسعة لأبناء الريف الجنوبي إلى العاصمة بغداد.
ولعل الكثير من القرارات ظل محكوماً بالعشوائية الخالية من التخطيط والتكامل، وبالشعبوية، التي تهدف إلى كسب تأييد الناس العاديين، على الرغم من أضرارها عليهم على المدى البعيد، وهذا تجسّد في أحسن مثال حين قرر الزعيم عبد الكريم قاسم حال نجاح الثورة دفع كل الطلاب الذين فشلوا في تلك السنة إلى المستوى الأرقى من دون أي اختبار.
بدلاً عن كل ذلك، خرج العراق بعد حكم عبد الكريم قاسم الفردي والشعبوي في آن واحد، بلداً معتمداً كلياً على النفط، ومعتمداً إلى حد كبير على ما يستورده من مواد استهلاكية، بما فيها المحاصيل الزراعية.
وما يثير الدهشة هنا هو تشابه الظروف التي قُتل عبد الكريم قاسم والعائلة الملكية فيها، وكأن هناك كاتب سيناريو محدود المخيلة، أنهى فيلمين له بنفس الطريقة. حين أحاط ما يقرب من 300 جندي بقصر الرحاب، فجر يوم الاثنين، لم يكن في جعبة كل منهم سوى رصاصات معدودة، في المقابل، كان أفراد الحرس الملكي البالغ عدده 3000 جندي وضابط، مزودين بأحسن الأسلحة ويتمتعون بأفضل تأهيل عسكري، لكن الأمير عبد الإله ولي العهد وخال الملك فيصل الثاني، عزف عن إعطاء أوامره بالمواجهة، مفضّلاً الاستسلام، بدلاً عن سفك الدماء.
في المقابل، كان الفريق عبد الكريم قاسم في وزارة الدفاع، حين انطلقت دبابات المتآمرين القليلة صوبه، بينما ملأت أعداد كبيرة من المدنيين الشوارع لنصرته وعرقلة تقدم خصومه.
لا بدّ أنه كان يسمع أصوات مناصريه وراء سور الوزارة وهي تنادي بالسلاح للدفاع عن الجمهورية، بينما ظلّ مرافقوه يلحون عليه بمغادرة ذلك المكان المستهدف من الانقلابيين العروبيين، فهناك العديد من المعسكرات التي كانت لا تزال تسانده، وكان بإمكانه تغيير قواعد المواجهة، وهو الضابط المتفوق الذي شارك بمعارك وحروب عديدة إبان الحكم الملكي، لكنه مثلما هو الحال مع الأمير عبد الإله، فضّل البقاء في مكانه ومشاهدة جنوده وضباطه يُقتلون أمامه بقصف طائرات الانقلابيين، وقصف عدد محدود من الدبابات التي قتلت في تقدمها مئات من المدنيين العزل.
وبذلك، أضاع الأمير عبد الإله والعميد الركن عبد الكريم قاسم، كلٌّ على طريقته، فرصة الحفاظ على النظام، بمواجهة المتآمرين، على الرغم من امتلاكهما القدرة العسكرية والتعبوية لتحقيق ذلك، وكان عليهما أن يقوما بذلك إن لم يكن من أجلهما، فهو من أجل الأجيال اللاحقة التي ذاقت أهوال الحروب والتشرد وقسوة الحرمان، في العهود التي تلت عهديهما.
لا بدّ أنها المفاجأة التي تشلّ العقل عن التفكير السويّ، وراء ذلك العجز في اتخاذ القرار السليم، أو قوة الروح القدرية المغروزة في أعماق أبناء وادي الرافدين منذ زمن جلجامش.