الموقف الأمريكي من أزمة العراق
فاتح عبدالسلام
طوال تصاعد الأزمة بشأن تشكيل حكومة عراقية جديدة وصولا الى القتال داخل شوارع المنطقة الخضراء بين مسلحي التيار الصدري والإطار التنسيقي، كان التساؤل المطوي على صمت حذر، هو ما موقف واشنطن مما يحدث، وهل حقاً انّ هناك عدم اكتراث أمريكي كما يبدو الامر في غلافه الخارجي؟كانوا يقولون انّ حضور الممثلة الأممية بلاسخارت واتصالاتها بأطراف الازمة هو البديل المقبول حتى تبدو واشنطن متدخلة، لاسيما انّ الصراع انحصر في زاوية القوى الشيعية. لكن ذلك لا يمكن ان يكون بديلا لسياسة أمريكية عامة، لا يزال يشكل العراق نقطة ارتكاز لها في الشرق الأوسط بالرغم من الخسائر والاحباطات وتراجع الأدوار لصالح إيران، وهو أمر لا يبدو حتى الان متجاوزا على المصالح الامريكية باستثناء القصف غير المتوقع في كل مرة ضد أماكن وجود امريكان او شركات نفطية في إقليم كردستان فيها استثمارات أمريكية معروفة.الرئيس الأمريكي بايدن، خرج بدعوة للفرقاء العراقيين بعد يوم من تفجر الصراع المسلح من اجل التهدئة والحوار وسيادة القانون ونبذ العنف. والمسألة لم تكن مجرد تصريح اعلامي، إذ حملت الدعوة ذاتها مساعدة وزير الخارجية الأمريكي الى بغداد في لقاء مع رئيس الحكومة العراقية.من المؤكد انّ الذي دار بينهما لا يخرج للإعلام بسهولة وسرعة ماعدا الكلام الداعي للتهدئة والتذكير بوجود اتفاقية اطار استراتيجي للتعاون بين واشنطن وبغداد، وهي تتضمن بنداً أمنياً في حفظ امن العراق عند تعرضه للتهديد الأكيد فضلا عن بنود في مجالات المال والتجارة والتعاون الاستثماري والطاقة وسواها
.كانت واشنطن حين احتلت العراق العام 2003 لا تمتلك معلومات يقينية عن تفاصيل عراقية كثيرة، واكتفت بما سمعته من مجموعة كذابين كان همّهم تورط أمريكا للوصول عبرها الى السلطة في القصر الجمهوري ببغداد بدوافع انتقامية لا وطنية في الأغلب، لكن واشنطن بعد سبع سنوات في احتلال البلاد وما بعدها، باتت على دراية بالعراق بشكل عميق برغم من أنه لايزال اطلاع غير كامل لأنه يعتمد أحادية واضحة في معاينة وجهات النظر من مواقع سياسية وليست عبر مفاصل النُخب العراقية خارج السلطة.
لذلك، لا يمكن النظر الى مستقبل العراق من خارج الزاوية الامريكية مهما كان الصوت الإيراني عاليا وحاضرا، وهذا توصيف لحالة أمر واقع، وليس موقفا منحازا لجهة دون سواها. الإيرانيون أنفسهم، يحسبون خطواتهم في العراق بعد اغتيال قائدهم الجنرال قاسم سليماني على وفق المجسات الامريكية، فالعراق الذي يبدو لكثرة التدخل فيه سائب السيادة، لكنه في الواقع محكوم بقوانين مناطق النفوذ العالمي الاستراتيجية، وهو يقع ضمن حصة أمريكية في هذا التوزيع الاستراتيجي، وليس حصة روسية او صينية او فرنسية مثلاً. في المقابل تحسب واشنطن مواقفها استنادا الى مديات القوة الإيرانية في العراق، ولا تسقط العامل الإيراني عند إقامة اية حسابات للحقل والبيدر.