ليلة الوحشة
احمد عبد الحسين
ليلة أمس لم ينمْ أغلبُ العراقيين. حدث ما كان يتوقعه ويخشاه ويحذَر ويحذّر منه الجميع. نُذر الاقتتال كانتْ بيّنة منذ شهور في خطاب سياسيّ متشنّج وتصلّب في المواقف وهذر خطير لمن يسمونهم “محللين” يلعبون على الشاشات بالنار نيابة عمن يدفع لهم.
جميعنا كان يتوقع ما حدث لأن العملية السياسيّة صممتْ لتكون فرض إرادات وتغالباً واستقتالاً على المغانم، وكلّ ذلك مغلّفٌ بورق الديموقراطية والاحتكام لدستورٍ لم يحترمه أحد إلا وقت يكون في صالحه.ثلاثون شهيداً، ثلاثون عائلة مفجوعة وكثير من الجرحى في حربٍ كان مقدّراً لها أن تستمرّ طويلاً طويلاً فحرب الأخوة غالباً ما تأخذ وقتها كاملاً، ولنا في الاقتتال الكردي ـ الكرديّ منتصف التسعينات مثال جليّ، لكنّ كلمة السيد الصدر الحاسمة أوقفت المأساة مبكراً بالنسبة لما كان يمكن أن يحدث، لكنْ متأخراً بالنسبة لأمهاتٍ وأيتام وأرامل باتوا ليلتهم في وادي السلام لوداع أبنائهم.
بغياب الصدر عن المشهد حدثتْ هذه المأساة، لأن غيابه رفع منسوب اليأس عند الناس وأنصاره خصوصاً، يأس عميم من عدم إصغاء الكتل السياسية لما بات مطلباً مصيرياً:
تقويم اعوجاج العملية السياسية العرجاء بأفعال لا بأقوالٍ مكررة حدّ الابتذال. وبحضور الصدر انطفأت نارٌ كان يمكن أن تأكل كلّ شيء.
لكنّ الفتنة لم تكن نائمة ولم يوقظها أحد. الفتنة كانت في السلاح الوفير الذي رأيناه أمس عند الطرفين، سلاح مهول متاح للجميع، خفيف ومتوسط وثقيل، فلمنْ كانت تُكدّس هذه الأسلحة؟ هذه ليست أسلحة صيد، بل أسلحة قتلٍ تنتظر إشارة بدء لتفتك بالناس.
الفتنة كانت أولاً وقبل كل شيء في نفوس السياسيين الذين سدّوا كل النوافذ وأبقوا على نافذة واحدة لإطلاق الرصاص.
والفتنة كانت في الشاشات، شاشات الفضائيات التي تؤجر ذات الوجوه القبيحة لذات المرضى الذين يؤلبون الجمهور فريقين متحفزين للتذابح.
انتهتْ الأزمة ولم تنته. فعقول الساسة على حالها من التكلّس، والسلاح مازال وفيراً والشاشات لا تريد أن تبدّل الوجوه الحربية التي تجلب لها مشاهدات وتجلب معها محرضات للاقتتال.
كلّ شيء أسس لهذه الكارثة لم يزل على حاله، وستتكرر مالم يغير الساسةُ الأفذاذ طريقة تفكيرهم ويقللوا من شراهتهم للسلطة ويسرّحوا جيوشهم الالكترونية وواجهاتهم التي أدمنت شاشات الفضائيات.حفظ الله العراق من سياسييه وقلل مخازن السلاح في أراضيه ورزق فضائياته بمحللين أوادم. إنه سميع الدعاء.