مدى إلزامية المدد الدستورية في قرارات المحكمة الإتحادية
سنان فاضل الشمري
تمر البلاد حالياً بحالة من الفراغ الدستوري، وهي نتيجة ترتبت على تجاوز المدة الزمنية التي حددها المشرع الدستوري لانتخاب رئيس جديد للجمهورية بعد أول انعقاد لمجلس النواب الجديد، وترتب على ذلك أيضاً تأخير في تسمية المكلف بتشكيل مجلس الوزراء، وبالتالي تأخير في تشكيل الحكومة الجديدة، ونجد ان دستور جمهورية العراق لسنة 2005 قد نص على عدة مدد دستورية، وفي مواقع مختلفة، ولاغراض مختلفة، وهذه المدد لها اثار دستورية وقانونية هامة، لذلك فقد اثارت جدلا قانونياً وسياسياً واجتماعياً، مما دفع البعض من المؤسسات الدستورية، وبعض ممن يشغلون مناصب سيادية او سياسية الى طلب الرأي من المحكمة الاتحادية العليا بخصوص هذه المدد ومدى الزاميتها، والبعض الاخر اتجه الى الطعن باجراءات وانشطة دستورية معينة لعدم مراعاتها لهذه المدد، وقد بينت المحكمة الاتحادية العليا الاتجاه الذي تبنته بخصوص المدد التي نص عليها الدستور تارة من خلال اجابتها على طلب الرأي، وتارةً اخرى من خلال قرارات قضائية
.ان النص على هذه المدد في الدستور، ينطوي على غايات يتوخى المشرع الدستوري تحقيقها، فهو لم ينص عليها عبثاً، ولا تزيداً، ومن أهم تلك الغايات هو استقرار الاوضاع الدستورية بشكل عام، وخاصةً عندما يتعلق الامر بمسائل غاية في الاهمية، والسؤال الذي يُثار هنا هو – هل اننا نكون امام اهدار لغاية المشرع من النص على هذه المدد عندما نبرر تجاوزها ولاسباب متعددة – أم ان هذه المدد هي مجرد مدد تنظيمية، ولا يترتب على عدم الالتزام بها اخلال بروح النص واهداف المشرع؟ولقد كان للمحكمة الاتحادية العليا موقفاً متأرجحاً وغير ثابت فيما يتعلق بالالتزام بالمدد الدستورية التي نص عليها المشرع الدستوري في مواضع وحالات متعددة، ونستطيع ان نتلمس هذا الموقف المتأرجح للمحكمة من خلال عدة قرارات، ومن أبرز هذه القرارات:
أولاً- القرار رقم 55/اتحادية/ 2010 بتاريخ 24/10/2010:
جلسة مفتوحةكان هذا القرار بخصوص الطعن بعدم دستورية قرار رئيس السن في الجلسة الاولى لمجلس النواب باعلانه ان الجلسة مفتوحة وعدم اعلانه عن فتح باب الترشيح لانتخاب رئيس المجلس ونائبيه، وفقا لاحكام المادتين (54. 55) من الدستور، والمادتين (5. 7) من النظام الداخلي لمجلس النواب.وانتهت المحكمة الى ان القرار الذى اتخذ بجعل الجلسة الأولى لمجلس النواب مفتوحة وإلى زمن غير محدد ودون سند من الدستور قد شكل خرقاً لأحكامه وصادر مفهوم الجلسة الأولى ومراميها التي قصدتها المادة ( 55 ) منه، وعليه قررت المحكمة إلغاء هذا القرار واستئناف أعمال الجلسة الأولى والمهام الدستورية الأخرى.
ونجد ان توجه المحكمة الذي افصحت عنه صراحة في هذا القرار، هو ضرورة الالتزام بالمدد التي نص عليها الدستور في المواد التي استندت اليها المحكمة، وان عدم الالتزام بهذه المدد يعد خرقا لاحكام الدستور واهدار لغاية المشرع من النص عليها.
ثانياً- القرار رقم 93/اتحادية/2010 في 19/12/2010.بينما نجد ان المحكمة قد تبنت اتجاها مخالفا لاتجاهها المبين في القرار السابق، وذلك في معرض بيناها لرأيها بخصوص الطلب المقدم من قبل مجلس النواب/ مكتب رئيس المجلس، ذي العدد (م.ر/559) بتاريخ 18/12/2010 بخصوص المادة (76/ ثانيا) من الدستور، وهل يجب على رئيس الوزراء المكلف تسمية اعضاء وزارته جميعهم خلال المدة المنصوص عليها في هذه المادة ، او يجوز له تأخير تسمية بعضهم عن المدة المحددة؟، وذلك في قرارها ذي الرقم 93/اتحادية/2010 بتاريخ 19/12/2010 والذي جاء فيه بانه (لا وجوب على رئيس الوزراء المكلف تسمية اعضاء وزارته جميعهم خلال المدة المنصوص عليها في المادة (76/ثانيا)، ويجوز تأخير تسمية بعضهم، على ان تشغل المناصب الوزارية التي لم يسمى لها وزير بصورة مستقلة من رئيس الوزراء نفسه او احد الوزراء وكالة، لحين تعيين الوزير الاصيل بعد ترشيحه من رئيس الوزراء وموافقة مجلس النواب، ولو تم ذلك بعد فوات المدة المنصوص عليها في المادة (76/ثانيا) من الدستور.
ثم جاء قرار المحكمة الاتحادية العليا التفسيري بالعدد 24/ اتحادية/ 2022 في 13/2/2022 والذي تبنت المحكمة فيه مفهوماً جديداً للمدد الزمنية التي نص عليها الدستور، وخاصة فيما يتعلق بالقيد الزمني المحدد في الدستور لانتخاب رئيس الجمهورية – اذ تم تجاوز المدة الزمنية الدستورية المحددة لانتخاب رئيس جديد للجمهورية مما سبب حالة الفراغ الدستوري كما بينا في مقدمة المقال – وبررت المحكمة ذلك بمتطلبات المصلحة العليا في البلاد والتي تقتضي استمرار وجود رئيس الجمهورية المنتهية ولايته بانتهاء دورة مجلس النواب المحددة في الدستور بأربع سنوات، والى حين انتخاب رئيس جديد للجمهورية.
مبادئ دستوريةومن الواضح ان المحكمة الاتحادية العليا قد استندت في قرارها التفسيري الى مجموعة من المبادئ الدستورية المتعلقة بالمصلحة العامة وسير المرافق العامة بانتظام واضطراد، ورأت بان بقاء رئيس الجمهورية في منصبه اصلح للبلاد، بالرغم من تجاوز المدة الدستورية لولايته.وتجدر الاشارة الى ان المشرع الدستوري عندما حدد في المادة (72/ثانياً/ب) مدة معينة لانتخاب رئيس جديد للجمهورية بعد أول انعقاد لمجلس النواب الجديد، لم يبين الأثر المترتب على تجاوز هذه المدة، ومع اقرارنا بجسامة المسؤولية الملقاة على عاتق المحكمة الاتحادية العليا وخطورة الأوضاع التي تمر بها البلاد، الا اننا لابد ان نشير الى ان الغاية من تحديد مدد زمنية لاتخاذ اجراء دستوري أو لممارسة حق دستوري معين هي حماية المصلحة العليا للبلاد فضلاً عن حماية حقوق وحريات الأفراد، وان تجاوز أي من هذه المدد لأي سبب كان سيكون مقدمة لتجاوز غيرها من المدد، وهذا سيؤدي بالتأكيد الى اهدار المقاصد والغايات المتوخاة من وراء النص على هذه المدد.