قانون الأمن الغذائي في الميزان
قانون الأمن الغذائي في الميزان – لويس اقليمسل
يس غريبًا أن يُجمع ساسة البلاد في نهاية المطاف على الصياغة النهائية لقانون الدعم الطارئ للأمن الغذائي والتنمية وتمريره بصيغته الأخيرة المزكمة للأنوف، بعد أن ضمنَ كلُّ طرفٍ حصته من الغنيمة باستغلال غياب الموازنة. يأتي كلّ هذا في ظلّ الانسداد السياسي والانغلاق الحكومي وغياب الحس الوطني كقاعدة للحكم في المشهد السياسي القائم منذ السقوط الماجن في 2003 والإتيان بشلّة غريبة عن مصالح الوطن والشعب.
فما بدر من زعيم الكتلة الفائزة الأكبر في الانتخابات الأخيرة من تقديم استقالات جماعية لنوابها بأمرٍ من زعيمها قد زاد من الشقّ القائم بين الطرفين الشيعيين المتنافرين، أولُهما يسعى لكسر الماكنة التوافقية التي قادت البلاد والشعب إلى الهاوية وأحالت دولة الحضارات والثقافات والكفاءات إلى مجرّد ماكنة تفريخ للموارد الريعية التي تقاسمتها أطراف السلطة منذ الاتفاق على هذه الصيغة التوافقية المحاصصاتية المقيتة والبدء بمشوار جديد قائم على حكومة اغلبية تقابلها معارضة حقيقية لمراقبة الأداء الحكومي ومحاسبة المقصّرين بحق الوطن والشعب.
والثانية تسعى لإبقاء المشهد السياسي المترع فسادًا ونهبًا وهدرًا للمال العام ما شاءت الأقدار لكونه أساسًا قائم على حماية مصالح الدولة التي تدعم هذا الطرف والجهات الساندة له من خارج الأسوار. وقد بات شكل الحكم هذا واضحًا وغير قابلٍ للنقاش أو التأويل بحسب اجتهادات أو حتى بالتشويش على حقيقته المتأسّسة على حكم المكوّنات وليس بداعي الحرص الوطني وخدمة الشعب كما ادّعى ويدّعي غالبية الساسة من دون استثناء.
فعندما تصبح الدولة أسيرة بأيادي زعامات تشكّلُ الظاهرة المكوّناتية أساسًا ومعيارًا لاستلام السلطة والعبث بمقدرات الدولة وليس الوازع الوطني ومصالح الوطن والشعب، حينئذٍ نقرأ السلام عليها متحسرين ويائسين من شكل الديمقراطية التي زرعها الراعي الأرعن في البلاد وبها أدام الفوضى الخلاّقة إلى غير مسمّى.
دهاليز مظلمةمن خلال قراءة متأنية في بنود القانون الذي تمّ تمريرُه بديلاً عن الموازنة بحسب مراقبين ومتابعين وساسة، يبدو واضحًا ما سرى في الدهاليز المظلمة من مناورات وتوافقات أقنعت الطرف المعترض عليه منذ لحظة اقتراحه حتى قبل التوافق عليه.
ولا يبدو خافيًا ساعةَ تمريره حفظُهُ لحقوق وحصص ومغانم لكلّ طرف من أطراف العملية السياسية، تمامًا شأنُه شأن تقاسم المناصب الوزارية والدرجات الخاصة والوظائف المهمة الأخرى في شبه اللاّدولة القائمة منذ السقوط. وإلاّ، ما سرُّ هذا الانقلاب المفاجئ والتوافق على تمريره بعد رفضه من جهات قضائية عليا رأت فيه سلوكًا غير مشروع وغير قانونيّ منذ اقتراحه من حكومة تصريف الأعمال. أمّا ارتكازُ البرلمان لتمريره بذريعة دعم شرائح مظلومة وتخفيف حدة الفقر لديها نتيجة الظروف الدولية المشوّشة ونقص الغذاء والطاقة، كما ورد في الديباجة والأهداف، فما هي سوى فذلكات وذرائع سريعة العطب ومكشوفة النوايا، طالما لن تستطيع هذه الشكليات والإجراءات الترقيعية من معالجة أسس الخلل في المنظومة السياسية المتهرّئة أساسًا. فسنوات الحكم العجاف منذ السقوط ولغاية الساعة، أثبتت فشل جميع الحكومات المتعاقبة في ردم الهوّة بين الشعب وأحزاب السلطة المتكالبة على نهب ثروات البلاد الكثيرة، وليس تنمية الوطن وخدمة الشعب.هنا، يكون من حق كلّ عراقيّ حريص أن يتساءل عمّا أفرزته مليارات الدولارات الريعية طيلة فترة الحكم منذ السقوط ولغاية اليوم من دون إحداث تقدّم في الوطن والمجتمع والبنى التحتية والخدمات ورفاهة الشعب.
بل جلُّ ما حصل ولمّا يزل يحصل، استغفالُ الشعب وسرقة ثروات الوطن وتراجع في كلّ قطاعات الحياة ببنود قوانين وأحكام وإجراءات لا ترقى لمستوى إدارة دولة مثل العراق. ودليلُنا في كلّ هذا، ما بلغته البلاد ووصله الشعب من تذيّل قائمة الشعوب والدول في كلّ شيء، ومن مهانة واستجداء وظائف ونقص خدمات وانحسار شريان الحياة المتمثل بالمياه التي أهملتها الحكومات المتعاقبة ولم يتعدّى تصدّيها للدولتين اللتين تتحكمان بالسلّة الغذائية للبلاد تصريحاتٍ خجولة تبدرُ من هنا وهناك من دون أن تبادر الجهات البروتوكولية والسلطة العليا لتفعيل ما يمكّن من ردعهما باستخدام وسائل وأدوات اقتصادية فعّالة. والسبب واضح لا يقبل اللغط ولا التأويل، وهو يتمثلُ بدور مافيات أحزاب السلطة التي تتحكم بالمنافذ الحدودية ووسائل الاستيراد من إجازات وتراخيص خاصة أو تلك التي تستلم الكوميسيونات عبر مكاتبها الاقتصادية التي تدرّ عسلاً ولبنًا على مدار الساعة. إنّ ما يهمّ الشعب وما يرنو إليه يقتصرُ آنيًّا على تأمين حاجته من الغذاء والدواء والخدمات الآدمية الواردة في بنود هذا القانون حصرًا. أمّا ما زادَ على هذا وذاك من إنفاق غير ضروري في أبوابٍ لا علاقة لها بهذين البندين، فلن يكون للشعب فيه رأيٌ ولا سلطة، طالما بقيت ناصية الحكم بأيدي أحزاب السلطة وأدواتها الفاسدة في معظمها والتي تتخاصم وتتقاطعُ تارة، وتتصالحُ وتتوافقُ تارة أخرى، تنسحبُ من العملية السياسية أو تهدّد بالانسحاب منها طورًا، وتعود أدراجها كما كانت بهديٍ من الرحمن أو ضغطٍ من السلطان في نهاية الأمر. وكلّ هذا من أجل ضمان حصصها بل وزيادتها وتثبيت سطوتها وإدامة تقاسمها المكاسب فيما بينها.
فهي إن اختلفت، ليس على شيء آخر سوى لتعزيز أدوات المال والجاه والنفوذ والجهر أحيانًا زيادةً في الولاء للغير. فمبدأُ “هذا لك وهذا لي”، كان سائدًا وسيبقى في الحكومات التوافقية المشبوهة لحين التغيير الجذريّ القادم الذي ينتظرُه الجميع بفارغ الصبر من أجل وضع حدودٍ قاطعة لسياسة النهب والسرقة واللصوصية بالأدوات والوسائل المتعارف عليها بين أحزاب السلطة سواءً الولائية منها للجارة الشرقية أو مزدوجة الجنسية. لقد بدا واضحًا ايضًا، أنه في الوقت الذي يتباكى فيه طرفا النقيض السياسي على حال أهل العراق المأسورين بفساد ساستهم من دون استثناء، والسارحين في مجاهيل البحث عن لقمة عيشٍ كريمة تسدّ رمق أسرهم وتنقذهم من براثن الجوع والعطش المهيمن على واقع حال البلاد عمومًا، نرى في الأفق تواصل الانسداد السياسي المعطِّل لإكمال وعود زعامات السياسة بتشكيل ما تبقى من السلطة التنفيذية المتمثلة برئاسة الجهورية ورئاسة الوزراء. ولم يعد خافيًا تقاطع المصالح الضيقة، الفئوية منها والمذهبية والإثنية وحتى الخاصة التي تقف حجرة عثرة أمام إكمال الاستحقاق الانتخابي وسط تفاقم الغضب الشعبي المُنذر بالانفجار في أية لحظة والذي ينتظرُ اشتعال الشرارة الأولى التي لا تبدو بعيدة في مدار الأفق السياسي القائم حاليًا. أمّا ما يُشاع من اهتمام الزعامات السياسية بمصالح الشعب والوطن وتباكيهم على الحالة المزرية لملايين البشر المستضعفين أصلاً ليست سوى كذبة كبرى يتمّ تسويقها وتداولها في سوق الدعاية الفاسدة لصالح كتلٍ سياسية بعينها برعاية منافــــقة رئيسية من وعّاض السلاطين وتحت ستارة الدّين والمذهب التي تغطّي العورة.كما لم يعد خافيًا أيضًا بعد تعرّي أداء مؤسسات الدولة الخاضعة لسلطة أحزاب السلطة، ما لصقت بها من وصمة سلبية على جباه زعامات مغمورة تنطق عسلاً في ظاهرها وتنضح شهدًا في شكلها وترى في قدراتها المحتالة والمخادعة ما رأته الضفدعة المنفوخة قبل أن تنفجر وتخسر حياتها لأنها أرادت تقليد البقرة “الضاحكة” صاحبة الحليب الأبيض وإبراز ذاتها للملأ قبل أن يدركها الموت بسبب عدم تقييمها لضعفها وإدراك حدودها. ولا نتمنى أن يكون حال العراق والعراقيين مثل حال هذه الضفدعة المسكينة ولا حال البقرة المتكابرة.معايير الربحنعم، في السياسة كلّ شيء جائز وقائم وممكن. فهي فنّ المستحيل كما يُقال. ويمكن أن تتبدّل المواقف وتتلوّن الرؤى بحسب المصالح التي تحكمها ووفق معايير الربح والخسارة لدى كلّ طرف معنيّ. لذا، ليس عسيرًا أن تتوافق آراء الأطراف المتناقضة شكلًا وليس جوهرًا في كلّ ما يتعلّق بقسمة الغرماء وتوزيع المهام واقتطاع الحصة من الحلوى بحسب الدرجات والمهام والمواصفات التي حددتها الجهات الراعية للعملية السياسية والمتنفذة من خارج الحدود إذا ما اقتضت الأحوال وتفاقمت الخلافات حول شكل وآليات توزيع المغانم، تمامًا مثلما جرى في الحكومات التوافقية التدميرية السابقة. وما يجري اليوم من تلاعب في الألفاظ في مسألة تشكيل الحكومة من كونها حكومة “أغلبية وطنية” أو “توافقية سياسية” أو “تشاركية موسعة”، كلّها في النهاية تصبّ في ذات مجرى المياه الاسنة التي يبتلعها النهران العظيمان الآيلان إلى الزوال والنضوب إذا بقيا على حالهما من الإهمال واللامبالاة في غياب الاستراتيجية الوطنية الحقيقية. فالمهمّ لدى القوى المتسلطة تنفيذيًا على مقاليد السلطة أن يبقى رسَنُ قيادة البلاد بأيدي مَن يحلو لهم تسميتهم بالأغلبية “العددية” و”المكوّناتية” ضمن البيت الشيعي الكبير حتى لو كان الإجماع عليه شكليًا. فتسمية “المكوّن الأكبر” و”الكتلة الأكبر” لديهم تجري كالمقدسات في الحكم والحياة ولا يمكن المساسُ بها. وهذا جلُّ ما يرمون إليه، رغم سوء التقدير والقياس وغياب الرؤية وقصر النظر وضعف جدواها وطنيًا جميعًا.الأمن الغذائي استراتيجية وطنية ملزمة فرضت الحرب الروسية على جارتها أوكرانيا، والتي تبدو أنها ستطول كثيرًا بحسب مراقبين، فرضت ذاتها على واقع الأمن الغذائي على عموم دول العالم. فالبَلدان معًا يشكلان ما مجموعه ثلث توريد تجارة الحبوب العالمية ولاسيّما في الشرق الأوسط، بسبب غزارة الإنتاج فيهما وخصب اراضيهما وحسن إدارة هذا الملف الغذائي المهمّ من الناحية الاستراتيجية. ونظرًا للتراجع الواضح في إنتاج العراق من محصول القمح الوطني بسبب تقلّص المساحات المزروعة سنويًا للأسباب التي بات الجميع يعلمها، فقد وقعت البلاد ضمن دائرة الخطر التي يشكلها الأمن الغذائي بسبب فقدان الاستراتيجية الوطنية والقصور الواضح في تقدير الجهات ذات العلاقة بتأمين مفردات هذه الاستراتيجية كما يفرضها واجبُها الوظيفي وتلزمها الأخلاقيات العامة والمسؤولية المهنية في إدارة هذا الملف من دون جاهزية ما ينبغي اتخاذُه لسدّ العوز الغذائي لفترة مناسبة تفاديًا لأية منغصات أو احتمالات إخفاق في الإنتاج أو التوريد. فالوقاية ووسائلُها قبل وقوع المصائب غير موجودة أساسًا في سجلّات الحكومات العراقية اللاوطنية المتعاقبة. فالبلاد تنتظر وقوع المصائب والأزمات لتتحرّك في ضوئها وتطرح حلولاً ترقيعية لا تجدي نفعًا على المدى البعيد وفق رؤية ومنظور واضحين لأشباه رجال الدولة الغائبين عن معاناة الساحة أساسًا.لقد كان على وزارة التجارة أن يكون لها استراتيجية واضحة بالتنسيق مع وزارتي الزراعة والموارد المائية المعنيتين بأدوات الإنتاج وتوفير الخزين وفق استراتيجية مشتركة لتأمين السلّة الغذائية الاحتياطية، لاسيّما ما يُؤمّنُ اساسيات مفردات البطاقة التموينية التي تُعدُّ قوت الشعب المهمّ وسندَه الأساس في تأمين وإدامة حياته اليومية البائسة. ونحن لا ندّعي على وزارة التجارة الحالية وحجها هذا الإهمال في وضع الاستراتيجية الخزنية للبلاد وتأمين قوت الشعب.فالمسألة متلازمة منذ أول حكومة تشكلت بعد السقوط حيث أصبحت هذه المؤسسة من البؤر الأساسية للفساد في البلاد بإهدار مليارات الدولارات وسرقة قوت الشعب من قبل وزرائها السابقين ومافياتهم. ولكنّ كلّ ما يُؤخذ على الإدارة الحالية لهذه الوزارة عدم حرصها الوطني على وضع استرايجية ملزمة لتأمين قوت الشعب من المواد الغذائية الأساسية مثل القمح والأرز والبقوليات والسكر وما يمكن أن يدعم السلّة الغذائية للمواطن.فبحسب تصريح مسؤولين رفيعي المستوى فيها، لا يوجد ما يؤمّنُ الخزين الاستراتيجي سوى لشهرٍ واحد، وبحسب مصدر غيره لثلاثة أشهر. وحتى لو افترضنا الحرص الناقص لتأمين القوت الغذائي لأربعين مليون مواطن لثلاثة أشهر، فهذا غير كافٍ لضمان استمرار التوريد بسلاسة بسبب قلّة العرض الدولي وزيادة الطلب العالمي على المنتجات الغذائية عمومًا من جهة، وتراجع المحصول المحلّي من جهة أخرى.انقاذ مشروعما جرى تداولُه منذ أسابيع في أروقة مجلس الوزراء وأخيرًا في مجلس النواب من محاولات لإنقاذ مشروع قانون الدعم الطارئ للأمن الغذائي والتنمية لغاية تمريره مؤخرًا من قبل نواب الشعب بالطريقة الفجّة لم يسرّ الكثير من المراقبين والخبراء والمحللين والمتابعين مترافقًا مع الأزمة السياسية العسيرة التي تمرّ بها البلاد هذه الأيام. فبالرغم من الاعتراضات الشديدة والعديدة من قبل الطرف الإطاري الشيعي المعارض منذ بدء اقتراحه ورفض العديد من مفرداته التي رأت فيها أبوابًا واضحة أو بديلة للفساد، إلاّ أن شكل الاعتراضات لم يمس الغاية والهدف من تمرير القانون بعد توصل الجانبين للتفاهم بتقاسم المقسوم من الكعكة الجديدة الحاصلة من الوفرة المالية للموارد الريعية من مبيعات النفط. وكان الحريُّ بهذه الكتلة وغيرها أن يُصار لتفعيل الحسّ الوطني وزيادة الحرص الحكومي في هذا الظرف الساخن للحفاظ على هذه الوفرة وزجّها حصرًا في تأمين مفردات السلّة الغذائية وتعزيز الرصيد البنكي للبلاد ولصالح صندوق الأجيال، وعدم التطرق أساسًا إلى أبوابٍ أخرى ليس لها علاقة بهذه الأزمة الغذائية الدولية والوطنية كبديلٍ للموازنة المتأخرة بسبب صراعات الأضداد المكوّناتيين. ذلك أن رجال الدولة الحقيقيين يُحسنون كيفية إدارة ملفات الشعب ومعالجة احتياجات البلاد وتسريع تشغيل مشاريعها التي تأخرت كثيرًا في انتظار إقرار قانون الموازنة بسبب إشكاليات الإخفاق في إكمال المدد الدستورية لتشكيل الحكومة.
وعندما طرح مراقبون وخبراء ومهتمون مسألة التركيز على ضرورة إقرار هذا القانون الذي يدّعي الجميع أهميته لصالح الشعب بحرصٍ منافق فيه وفي غيره، فالقصد فيه كان التركيز على إيجاد حزمة استراتيجية متكاملة لتعزيز النقص القائم في الخزين الاستراتيجي الغذائي في البلاد من اجل تلافي أزمة متوقعة في المواد الأساسية التي تضمن قوت الناس وتمنع عنهم متاعب البحث عنه في المزابل والطرقات والتقاطعات. فالقانون ينبغي أن يضمن من جملة ما يتضمنه، جميع الخدمات الصحية والبلدية والحياتية والتنموية اللصيقة بحياة الشعب إلى جانب الغذاء الرئيسي حصرًا وليس غيرها في هذه الظرف العصيب. فالغذاء بدون دواء ولا خدمات ولا تنمية للاحتياجات الأساسية سيكون ناقصًا وقاصرًا ولا يلبيّ الطموح. كما كان من المهم جدّا التنـــــــــبيه لعدم انزلاق مشرّعي القانون المذكور إلى أبواب إنفاق جانبية بدتْ وكأنها بديلاً عن مسؤوليات إقـــــــرار الموازنة العامة التي تأخرت بسبب تقــــــــاعس الساسة والتقاطعات بين زعامات السلطة والمافيات والجهات الولائية التي تتصرف خارج سلطة الدولة ضمانًا لمصالح الجهات التي تغطي عليها وتضمن بقاءها وإدامة تواجدها.لذا وبمختصر الكلام، وبحسب رأي العديد من المختصين والمراقبين وساسة مستقلين وغيرهم من المقربين من أوساط الحكومة الحالية، بأن هذا القانون بعد إقراره مؤخرًا وعدم ردّه من قبل المحكمة الاتحادية لاحقًا وكما هو منشور، سيكون بديلاً للموازنة، ولكنْ بأبوابٍ لها مسالك طوارئ ودهاليز غامضة يترقبها الشعب. ومهما يكن من أمرٍ، فالمبالغ التي سعت إليها جهاتٌ تصارعتْ لرصدها في هذا القانون المشبوه تُعدّ كبيرة في نظر الكثيرين.كما أنّ ابوابَ صرفها لا تخلو ظاهريًا وليس ضمنيًا فحسب من شبهات فساد في حالة تسليمها التخصيصات المرصودة لها لمشاريع وجهات ووزارات تتضمنها مسودة الموازنة. والخوف، كلّ الخوف من استغلال جهات متنفذة للوفرة المالية التي تلتزم وزارة المالية بتوفيرها والمــــترتبة من الموارد الريعية لبيع النفط لسدّ فراغات في أبواب إنفاقٍ أخرى ومشــاريع متلكئة أو متوقفة كانت تحدّدها الموازنة الســـــــنوية في بنودها.وهذا ما يفتح الطريق لاعتبار مَنفذ المشروع وقائيًا غذائيًا في شكله وظاهره وسياسيًا ولصوصيًا بامتياز في باطــــــــنه وثناياه بسبب تـــــــــطرقه لقطاعات وابواب صرف أخـــــرى غير مرتبطة بطوارئ الــــــــغذاء وقوت الشعب المطلوب إيلاءها وحدها الأهمية القصوى والحصرية.