عراق الغد.. عوامل القوة وفواعل الضعف
مازن صاحب
هل تكفي موارد العراق لوحدها في بناء دولة الحكم الرشيد؟ الإجابة الواسعة والمتشعبة لهذا السؤال تتوقف عند نقطة تتمثل بالإرادة السياسية للآباء المؤسسين لدولة ما بعد 2003، نعم واجهت هذه الدولة تحديات شتى في تطبيق نصوص الدستور العراقي، ولكن ما ذكره السيد نيجيرفان بارزاني خلال حضوره حفل تخرج دورة للكلية العسكرية في السليمانية يؤشر أن عوامل القوة التي تمتلكها هذه الدولة لا تكفي من دون مواجهة فواعل الضعف من خلال إطلاق مبادرات الحوار الإيجابي ما بين حكومة الإقليم والحكومة الاتحادية، هذا ما سبق وأن طرحته في مقال سابق على هذه المنصة الإعلامية، فالمطلوب دائماً تحقيق سمعة طيبة فريدة من نوعها أمام الرأي العام المحلي والإقليمي والدولي تتجاوز تجاذبات الاختلافات وتوضح حقائق المشتركات لفرض واقع عملي على المشهد السياسي العراقي. في عراق اليوم، هناك أكثر من 25 ستراتيجية وطنية تواجه فجوة الإرادة السياسية وفي ظل هذا التشتت لا بد من بارقة أمل تطرح رؤية مغايرة لإعادة تنظيم الموارد الاقتصادية الستراتيجية لعل أبرزها مصادر الطاقة بما يحقق للشعب العراقي التقدم والازدهار ويعزز قدرات الدولة في حوكمة استخدام هذه الموارد ويدعم قدرتها على المنافسة في السوق العراقي أولاً ومنه إلى الأسواق الإقليمية والدولية مقابل واقع الهشاشة التي تتضح بمفاسد المحاصصة وتجعل الاقتصاد العراقي خارج سياقات المنافسة الصحيحة. ولعل أبسط أنواع هذه المنافسة يتضح في تأخير تشكيل الحكومة المنشودة مما يؤكد الحاجة الملحة لإعادة النظر الشاملة في نمط التفاعل بين الموارد الاقتصادية وأساليب الإدارة الستراتيجية من جانب، ونوع الاتفاق السياسي المطلوب بما يحقق معادلة تساوي المنفعة الذاتية للمواطن العراقي/ الناخب والمنفعة العامة للدولة من خلال برامج السياسات العامة للحكومة الاتحادية وحتى حكومة إقليم كوردستان، وإبراز ذلك التنسيق المنشود للتكييف والابتكار في خلق الحلول كنوع من الأمور الفارقة لا سيما في سياق ندرة بعض الموارد المعيشية مثل القمح بسبب الحرب الأوكرانية – الروسية من جانب، ومتغيرات المناخ وشحة المياه من جانب آخر، كل ذلك بحاجة إلى ذات المنهج الذي طرحه السيد نيجيرفان بارزاني والعمل على تطويره إلى نوع من الثابت التاريخي في دعم بناء الدولة العراقية الجديدة. في المقابل، حين يظهر الصوت القوي بأهمية الاستفادة من المساعدة الدولية لحلحة الانغلاق السياسي، فواقع الحال يتطلب فهم أصحاب المصلحة عراقياً، لأن تلك الحلول المنشودة من تجارب الأمم المتحدة التي مارست مثل هذا التحليل في التعامل مع حالات معروفة من الانتقال من الأنظمة الدكتاتورية إلى النظام الديمقراطي الليبرالي، أو تلك التي انتقلت من حالة الحرب على الإرهاب إلى مرحلة السلام الأهلي، تحتاج إلى (عرقنة) نماذج الحلول المقترحة، فما صلح للتعامل مع حالة رواندا مثلاً قد لا يصلح كلياً في التعامل مع الحالة العراقية، ربما نحتاج إلى بذل جهود وطرح مبادرات عراقية بامتياز وترك آليات التعامل معها إلى الخبرة الدولية لإعادة تصنيع مبادرة عراقية شاملة تلغي ثقافة احتكار القرار السياسي والاستحواذ عليه بإيجاد قواعد متجددة للسياسات العامة في تطبيقات البرامج الحكومية معتمدة على ما ورد في تلك الستراتيجيات التي وضعت على الرفوف العالية لمكاتب الوزراء والأمانة العامة لمجلس الوزراء بسبب ضعف الإرادة السياسية. من جانب آخر، تكرار هذا الانغلاق السياسي مع نتائج كل دورة انتخابية يطرح المسارات العكسية التي تتطلب خبرات وقدرات من خارج صندوق العملية السياسية لفهم أسباب هذا الانغلاق وعدم المرونة في فهم الدوافع التي تقف وراءه، أعتقد أن أبرز أسبابه تتمثل في ضعف التنمية السياسية المستدامة خلال أعمال مجلس النواب الاتحادي هي مسؤولية جميع قيادات الكتل لا سيما تلك الكتل التي شاركت في مؤتمرات المعارضة العراقية ولها صفة الآباء المؤسسين للعراق الجديد. وهذا يفترض أنواعاً من الاستجابة وأفكاراً متجددة وإثارة مبادرات بمضامين يكتب لها النجاح وليس الفشل من خلال انفتاح النقاشات الواعية لمتطلبات تعزيز عوامل القوة وتقليص فجوات الضعف، فهل نسمع عن مبادرات أخرى وأخرى من مختلف فرقاء العملية السياسية تسهم في تحقيق الحاجات الستراتيجية وترسخ نموذج الحلول لما يمكن أن يكون في الدورات البرلمانية المقبلة، هذا منهج النجاح وذاك منهج الفشل ويبقى من القول لله في خلقه شؤون!