ليالي بغداد المظلمة
الكاتب : كاظم حبيب
ليس الحديث هنا عن ليالي بغداد أثناء خلافة هارون الرشيد وحكايات ألف ليلة وليلة، وليس عن ميثولوجيا شهرزاد وليالها المتعاقبة وهي تحاول انقاذ النسوة من بطش شهريار برواية حكاياتها المنبثقة من حياة الناس في بغداد والمليئة بالصور والخيال الخصب لتلك الفترة لتشغله عن رغبة القتل اليومي لمن قضى وطره منها صباح اليوم الثاني. ليس الحديث عن الأسطورة العراقية التي تحمل الكثير من المشاهد والمعاني والتفسيرات، بل الحديث هنا عن بغداد المستباحة بالطائفية والفساد والخضوع للأجنبي الإيراني، بغداد التي يحكمها طائفيون فاسدون مشوهون وشذاذ آفاق، بغداد حيث يسود فيها حكم القتلة المجرمين والكذابين والمخادعين والمغتصبين للسلطة والناس، حيث يتفننون في محاربة الانتفاضة المقدامة ابتداءً من تشويه السمعة والإساءة للمنتفضين والمنتفضات بشتى السبل المحرمة والتي تعاقب عليها القوانين المحلية والدولية، مروراً بالمطاردة وحرق الخيام وتدمير ما فيها وممارسة البطش بالمتظاهرين بالسكاكين وبناق الصيد المملؤة بكمية كبيرة من الصچم (خراطيش الكريات المعدنية)، والاغتيال بكواتم الصوت في وضح النهار، ثم أخيراً وليس أخراً ممارسة الخطف والتعذيب الأكثر وحشية ودموية ورمي الضحايا المدّماة، وهم إلى الموت أقرب منهم إلى الحياة، أمام دار الضحية. إنها إهانة كبرى وجريمة لا تغتفر للإنسان عموماً والعراقي هنا على وجه التحديد. وهدف هذا الأسلوب الجديد القديم لا يخفى على قوى الانتفاضة، فهم يدركون إن هؤلاء المجرمين لا يسعون إلى نشر الخشية والرعب في نفوس المتظاهرين والمتظاهرات من أن يتعرضوا إلى نتيجة مماثلة أن استمروا في التظاهرة فحسب، بل وأكثر من ذلك فهم يريدون بتصميم عدواني إلى إشاعة الرعب في صفوف عائلات المتظاهرات والمتظاهرين خشية على أبنائها وبناتها. إنها طريقة فاشية مجرمة مماثلة تماماً لممارسات أزلام وجلاوزة البعث وصدام حسين في فترة حكمهم الفاشي المديدة ضد المعارضين، وهم الأشخاص ذاتهم في الغالب الأعم الذين ترك الكثير منهم حزب البعث وأجهزة الأمن والأجهزة الخاصة وفدائيي صدام حسين والتحق بعدد كبير من الميليشيات الطائفية المسلحة التابعة لإيران، وهي الأكثر شراسة ودموية، ليمارسوا الأسلوب ذاته مع بنات وأبناء الانتفاضة الباسلة في العراق. إنهم لا يملكون ضميراً حياً يعذبهم، فهم عملاء جبناء وأدوات خسيسة ووقحة بيد أسيادهم في إيران وتوابعهم وامتداداتهم في قيادات وكوادر الأحزاب الإسلامية السياسية وميليشياتها الطائفية المسلحة في بلاد الرافدين.
لكننا نحن أمام صورة مغايرة تماماً لما تسعى إلى تحقيقه قوى الانتفاضة المضادة، قوى الطغمة الحاكمة التابعة، حيث يشهد العالم إصرار العائلات العراقية على دعم أبنائها المنتفضين وبناتها المنتفضات، وكذلك المشاركة في المظاهرات والتجمعات في الساحات والشوارع، إضافة إلى مشاركتهم في الإسعاف وطبخ وتقديم وجبات الطعام، رغم حزنهم الشديد على الضحايا التي اسقطت في سوح وشوارع النضال الباسل وعلى الضحايا البريئة التي عذبت وتعذب وتنتهك كل القيم والمعايير الإنسانية النبيلة بما لا يختلف بأي حال عن أساليب تعذيب الفاشيين في الدول الفاشية التي عرفها العالم.
إن البيت الشيعي المشوه بكل القيادات والأدوات المجرمة الفاعلة فيه لا يريد أن يدرك بأن هذه الأساليب الجهنمية لن تُسكت المطالبة بالخلاص منهم، لأنهم لا يمثلون بنات وأبناء المذهب الشيعي، ولا أي من أبناء وبنات العراق الطيبين المخلصين لوطنهم وشعبهم، بل أنهم يمثلون حثالة البشر ويد أجنبية تطعن بالشعب العراقي يمنة ويسرة ولا تكف يومياً
عن إسقاط المزيد من الشهداء والجرحى والمعوقين. وهم بذلك يثيرون الرأي العام العالمي والمجتمع الدولي ضدهم ويقرب من عقاب العدالة الدولية لهم ولأسيادهم أينما كانوا.
إن على القوى الديمقراطية والمدنية النظيفة والمدركة لما يجري في البلاد رفع دعاوى قضائية جنائية ضد حكام العراق والأحزاب الحاكمة وقادة الميليشيات الطائفية المسلحة في محاكم دولية، لاسيما العائلات التي فقدت بناتها أو أبناءها وكذلك أولئك الذين تعرضوا للخطف والتعذيب لأن القضاء العراقي مشارك في ما تقوم به ضد الشعب وحقوقه وإرادته بقية سلطات الدولة العراقية المشوهة والهشة والخاضعة من قمتها إلى قدميها لإيران وقراراتها وهيمنتها الفعلية على البلاد.
لن يفلت أولئك الذين يقودون هذه الأدوات المنفذة للعمليات الإجرامية الجبانة بحق قوى الانتفاضة ولا أدواتهم القذرة من الحساب العسير والعادل، لن يفلت من يمارس حرق الخيام وخطف ومطاردة واغتيال وتعذيب بنات وأبناء الشعب من القضاء العراقي العادل القادم حتماً على أنقاض هذه السلطات الثلاث التي تبرهن يومياً على إنها لم تعد مستقلة ولا عادلة بل أداة خاضعة وخانعة للحكام الطغاة وللدولة الأجنبية التي تقود هؤلاء الحكام.
لا يكفي الحديث عن تقديم دعوى كما يفعل بعض السياسيين العراقيين، بل عليهم، إن كانوا جادين فعلاً، أن يقدموا هذه الدعاوى القضائية الجنائية قولاً وفعلاً، إذ هناك آلاف الشواهد والوثائق التي تدين الحكام وقادة وكوادر الأحزاب الإسلامية السياسية والميليشيات الطائفية المسلحة التابعة لها وأدواتها الأخرى التي تعمل بوحي من مصالحها الجشعة ومصالح إيران المهيمنة على القرار العراقي. وهي في الوقت نفسه دعوة لكل العراقيات والعراقيين النشطاء في الخارج أن يسعوا لإيجاد السبل المناسبة لإقامة دعاوى قضائية، وبالتعاون مع منظمات المجتمع المدني والأحزاب الديمقراطية، عبر من عانى من الإرهاب الدموي في العراق واغتصاب حرياته، أمام محاكم الدول الغربية لجرِّ هؤلاء المتهمين بالقتل والتعذيب للقضاء لينالوا الجزاء العادل بسبب ما اقترفوه من جرائم بحق هذا الشعب المستباح.