مقالات

ماذا سيحدث يوم السبت في العراق، وماذا يريد الشعب من الحكومة القادمة؟

د. آزاد عثمان

أظهرت نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة في العراق: توسيع وتقوية التيار الصدري العربي الشيعي، لاسباب عديدة، في مقدمتها وعود إستعادة السيادة الوطنية (بالتخلص من هيمنة وإعتداءات جميع الدول الأجنبية، كبيرها وصغيرها) وتغيير طريقة الحكم (بتغيير سبيل تشكيل الكتلة النيابية الكبرى – أي عدم حصرها بالنواب الشيعة فقط)، وتغيير أسلوب تأليف الحكومة الاتحادية (من حكومة توافقية لكل القوى السياسية المشاركة في مجلس النواب، الى حكومة إئتلافية نابعة من تأييد الأغلبية النيابة العراقية)، وإسترجاع هيبة الدولة وتفعيل القضاء بتقويتهما من خلال التأكيد على إستقلالية القرارين السياسي والقضائي، ومكافحة الفساد الإداري والمالي المتفشي في جميع أجهزة الدولة الحكومية والحزبية بصورة جدية وبقوة القانون، وحل أزمة الانفلات الأمني المُزمن والفوضى العارمة في البلاد بسبب التجارة بالسياسة والسعي المستمر لتشديد التطرف الطائفي وتقوية نزعة العشائرية، ومعالجتها بالتركيز على حصر السلاح في أيدي الأجهزة الأمنية الحكومية (الجيش والشرطة)، وحل جميع أشكال الميليشيات (العاملة كأذرع مُسلّحة مُدمّرة لدُول طامعة) تدريجياً، ومعاقبة وردع جميع أنواع القتلة وتجار المخدرات باشّد الإجراءات القانونية الملموسة وإشاعة روح المواطنة.واظهرت النتائج أيضاً: تصغير وإضعاف القوى “السياسية” والتنظيمات المسلحة الشيعية العربية الولائية، والحاكمة الأساسية في العراق منذ عام 2005، لكونها تستحوذ على أهم مناصب ومواقع السلطة (رئاسة الحكومة وقيادة القوات المسلحة وأبرز الوزارات السيادية ومعظم مرافق الدولة النظامية وغير النظامية)، وتتميز بالولاء العلني للقيادة السياسية والدينية الإيرانية أو بالأحرى بتأييد مُطلق لِمبدأ “ولاية الفقيه” الدينية المذهبية أي الثيوقراطية الحاكمة في الدولة الشرقية الجارة، بحجة المذهب الديني المُشترك. كما وحصلت نتيجة للانتخابات الأخيرة توحيد وتآلف الكتل والأحزاب العربية السنية عموماً في تحالف أكبر (السيادة)؛ ونجمت عن تلك الانتخابات أيضاً تشتت الكتل الكُردية، المُتآلفة سابقا في إطار “التحالف الكُردستاني”، وتكبير كتلة الحزب الديمقراطي الكُردستاني نسبياً. والحدث الأبرز الناجم عن هذه الانتخابات هو تحالف نيابي ثُلاثي من الأطراف الرابحة الكُبرى المذكورة، يجمع على تبني برنامج التيار الصدري المُعلن والموعود. وأدى هذه التحولات والنتائج الى إزعاج وإحتجاج الخاسرين (نسبياً) في الانتخابات الحديثة، خاصة الكتل الشيعية المُتجمعة في تحالف “الاطار التنسيقي”، وبالتالي تسبب ذلك في غضب ورفض حكام ايران لأهداف التحالف الثلاثي أي برنامج التيار الصدري، خاصة عدم التمسك بتشكيل الكتلة النيابية الكبرى (بعد إجراء الانتخابات) من مجموع النواب الشيعة أي مع نواب “الاطار” فقط، و رغبة الاستقلال السياسي عن تعليمات وتوجيهات واملاءات القيادة السياسية الدينية الإيرانية، لان ذلك يتعارض تماماً مع خطط وأهداف ايران الرامية علناً الى بسط الهيمنة على الجزء الأكبر في الشرق الأوسط. لذلك لجأت الحكومة الإيرانية هذه المرة منذ البداية الى الاستخدام المباشر وغير المباشر لكافة أشكال الرفض والاحتجاج، القانونية السلمية وغير القانونية العنيفة، مباشرةً عبر الجولات المكوكية لقائد الحرس الأكبر، وبتوجيه مطالب وتهديدات محددة الى أطراف التحالف الثلاثي، خاصةً من الكُرد والعرب السنة. وأخيرا، وليس آخراً، نفذت إيران تهديداتها ضد تمرد التحالف الثلاثي العراقي عليها مباشرة وعلناً، بحجة وهمية ولكن بنيّة معروفة، حيث استخدمت إثنا عشر صاروخا باليستياً لضرب هدف مُحّدد (مسكن الشيخ باز البرزنجي في مدينة أربيل)، بذريعة وجود مقر للمخابرات الإسرائيلية فيه، والانكى من ذلك بحجة قيام ست طائرات بدون طيار من هذا المسكن بقصف مستودع لمثل هذه الطائرات في كرماشان (كرمانشاه)! علما بان القاصي والداني يعلم بان إسرائيل قصفت قوات ومستودعات أسلحة إيران وحزب نصر الله اللبناني في سوريا مئات المرّات، واغتالت أشهر عالم نووي إيراني في العاصمة طهران، ولم ترد إيران على ضربات اسرائيل ولو مرة واحدة، بصورة مباشرة أو غير مباشرة. فالأسباب الحقيقية للقصف الايراني لمسكن مُعيّن في أربيل بالذات تكمن حقاً في: – تمسك الحزب الديمقراطي الكُردستاني بالتحالف الثلاثي مع التيار الصدري وتحالف السيادة لتشكيل الحكومة الاتحادية القادمة بالشكل الذي لا تُحبذه إيران، – نية حكومة إقليم كوردستان في تصدير الغاز الطبيعي الى تركيا في أمد قريب، وإيران تعتبر ذلك تنافساً وتحدياً لها، فهي المُصدّرة الأساسية للغاز الى كل من تركيا والعراق (وفي العراق يحترق الغاز هباءً). علما بان الشيخ باز معروف بكونه من أبرز رجال الاعمال في مجال الطاقة في العراق عامةً؛ – وأرادت إيران ايضاً من خلال هذا العدوان العلني تجربة صواريخها الباليستية على أرض دولة مُتجردة عن السيادة وضَعيفة عسكرياً وللمرة الثانية – حيث تم استهداف وتدمير مقر حزب سياسي كُردي إيراني مُعارض (الحزب الديمقراطي الكُردستاني الإيراني) في مدينة كوي سنجق في العام الماضي وقتل وجرح جميع المتواجدين فيه – مُعتبرةً أراضي دولة العراق الجارة الضعيفة ميادين للتدريب العسكري وحقولاً لتجارب صواريخها الروسية المطّورة. حددت رئاسة مجلس النواب يوم 26 كانون الثاني موعداً لانتخاب رئيس الجمهورية، بالرغم من محدودية سلطات وصلاحيات المنصب، إلاً أن تكليف مُرشح الكتلة النيابية الكبرى يُعتبر من أهم صلاحيات رئيس الجمهورية المُنتحب. قد يتفق الحزبان الكُرديان الحاكمان في الإقليم على مُرشّح مُشترك لغاية السادس والعشرين من هذا الشهر (وهو أمر وارد بالرغم من ضئالة الاحتمال) – وهذا أمل الشعب الكُردي ومن مصلحة استقرار الإقليم بالتأكيد، وهو من مصلحة الاتحاد الوطني قبل الجميع؛ وبعكس ذلك، برأيي سيكبر الصدع بين الحزبين الحاكمين في الإقليم، وسيخسر الاتحاد الوطني إضافة الى المنصب وظائف كثيرة جداً من جيش الحماية الرئاسية ومجموعة موظفي مكاتبها، وهم كلّهم من أعضاء الاتحاد؛ وبإمكان السيد برهم صالح تفادي هذه الخسارة وتسهيل إتفاق الحزبين وتحقيق التوافق الكُردي بالانسحاب عن الترشيح للمنصب للمرة الثانية، وسيفوز هو بذلك على التقدير المُستحق وعلى مكانة أكبر من المنصب عند الشعب الكُردي.على كل حال – مالم تَحدُث مُفاجئة إيرانية خَطِرة ومُعرقلة – لحد الآن تُعتبر كتلة التيار الصدري، التي تضم 73 نائباً، الكتلة النيابية الفائزة الكُبرى، إذا بقي السيد الصدر على موقفه وأهدافه المُعلنة. وإذا ما حاول تحالف “الإطار التنسيقي” المُشكّل بعد الانتخابات والذي يتألف من 78 نائباً (حسب تقديراتهم)، أن يقدم نفسه كالكتلة الكُبرى، فقد يلجأ التيار الصدري الى تشكيل الكتلة الكُبرى (لما بعد الانتخابات) مع كتلة المُستقلين، التي تتفق مع التيار في برنامج الإصلاح والتغيير؛ وبذلك سيتحقق إضافة الى النصاب القانوني المطلوب للجلسة وفقا لقرار المحكمة الاتحادية العُليا، شكل الكتلة الكبرى أيضاً، كما يقتضيه القرار المذكور للمحكمة الاتحادية بهذا الشأن. حينئذ سينتخب مجلس النواب في يوم السبت رئيساُ جديداً للجمهورية –- وسيتم إقرار الكتلة الصدرية أو “التحالف الصدري-المستقل” بمثابة الكتلة النيابية الكُبرى، وسيتّم إنتخاب مرشحه لرئاسة الحكومة القادمة. وستنضم كتل الإطار وفقاً لمطالب واهداف التيار كلياً أو جزئياً الى تشكيلة الحكومة الاتحادية المُقبلة، أو تتحول الى معارضة برلمانية، وهذا أمر غير مُستحب أو غير وارد، لأن الساسة الكبار في العراق عموماً يريدون بالدرجة الاساسية التمتع بميزة الحُكم ونعمة الامتيازات، لهم ولعوائلهم وأسنادهم. فلقد أُجبر الشعب في دولة العراق على الطاعة لولاة الأمر، وإعتاد الحُكام على قمع كل مُواطن يحتج على أساليب الحكم الفاسدة والسلبية بمختلف السُبل، ودائماً بحجة حماية أمن البلد، حتى ممن يجب توفير لقمة العيش وحفظ الحياة وتامين الكرامة لهم. ولذلك لوحظ ظاهرتان بارزتان في الانتخابات الاخيرة: عدم مُشاركة حوالي نصف الناخبين أي الشعب في عموم العراق فيها، وتُعتبر مقاطعة الشعب بمثل هذه النسبة الكبيرة للانتخابات في كل مكان وزمان دليلاً واضحاً على عدم رضا الشعب من الحُكم والحُكام، لأسباب جليّة تتعلق بحياة ومعيشة وكرامة الشعب. والظاهرة الثانية تتمثل في فوز عدد لا بأس به من النواب المُستقلين عن الأحزاب والقوى الحاكمة في عموم البلاد، وتشكيل مجموعة نيابية مستقلةمنهم، يمكن ان تكون بمثابة “بيض القبّان” لترجيح كفة طرفي القوى السياسية الساعية الى تشكيل الحكومة المُقبلة وتحديد برنامج الحكم للسنوات الأربع القادمة.هنا ينتظر الشعب، خاصة ناخبي المُستقلين، من هؤلاء النواب ان يكونوا بمستوى المسؤولية والثقة؛ فعليهم ان يكونوا فعلاً عند حُسن ظن ناخبيهم بهم، وان يثبتوا ذلك من خلال مطالبهم للمشاركة في جلسة السادس والعشرين من كانون الثاني المصيرية، و عبر سلوكهم أي مواقفهم فيما بعد ذلك، أثناء تواجدهم في مواقع الحُكم في الحكومة القادمة. فأهالي العراق الغني بالثروات الطبيعية والبشرية تتوق الى معظم الحقوق والحريات والخدمات الأساسية، التي ينص عليها دستورهم، والتي يجب على الحكام في جميع ارجاء العراق ضمانها فعلا، وتتجسد في تحقيق الوعود التي أطلقها التحالف السياسي الجديد بصورة ملموسة، خاصة فيما يخص السيادة والأمن والمعيشة والخدمات الأساسية والعدالة الاجتماعية: بإجراءات فعلية لاستعادة سيادة الدولة وأمنها، وإنهاء العدوان والقصف المستمرين من الدولتين الجارتين الشمالية والشرقية، وإسترجاع الحقوق الوطنية المُغتصبة وفي مقدمتها مياه الأنهر الدولية المحبوسة من قبل الجارتين الشرقية والشمالية، وتنفيذ الخدمات الأساسية المُنتظرة منذ سنوات، خاصة في مجالات العمل والكهرباء والبلديات، وتحقيق العدالة وعلى جميع الأصعدة: بمكافحة فعالة للجرائم بشتى أنواعها – وفي مقدمتها معاقبة قتلة المتظاهرين والنشطاء المحتجين ضد الفساد والبطالة وإنعدام الخدمات، ومحاسبة الذين وقفوا ورائهم أي أمروهم بارتكاب الجرائم، وبإيقاف نزيف الفساد المُزمن ومحاسبة الفاسدين عملياً، وتامين الرواتب وضمان الصحة وإستعادة عافية التعليم والتربية في المدارس والجامعات الحكومية، وبالاقدام على إجراءات مشهودة لتقوية البُنيَتين التِحتية والفَوقية في كل مناطق البلاد. هذه هي التغييرات والاصلاحات التي تنتظرها أهالي دولة العراق الصابرة من الحكومة الاتحادية القادمة ومن حكومة إقليم كُردستان ومن الحكومات المحلية لكافة المحافظات غير المنتظمة في أقاليم، منذ سبعة عشر سنة، والمهم هو الفعل بعد القول.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى