“هيئة الحشد الشعبي ذريعة لعودة “داعش” أو تحرك بعثي قوي”
الكاتب : عماد الدين الجبوري
مع دخول الحراك الشعبي الدائر في العراق الشهر السادس، ما زال شبابه يقدمون التضحيات الجسام، إذ بلغ المعدل الشهري أكثر من 100 ضحية وحوالى 500 معوق ويزيد عن 4000 جريح، نصف تلك الأعداد تقريباً وقعت في بغداد، وتأتي بعدها محافظتا ذي قار ثم النجف وبقية المحافظات الوسطى والجنوبية.
من دون ريب، إن نضج الوعي والإدراك لدى المنتفضين مكنهم من الصمود والمثابرة في احتجاجاتهم واعتصاماتهم، خصوصاً أن نسبة كبيرة بينهم من طلاب الجامعات والمعاهد والأساتذة والمهنيين والفنيين، فضلاً عن الدعم والمساندة لهم من مختلف شرائح المجتمع، وكذلك سرعة تشكيل اللجان التنسيقية للتعاون والتواصل مع بعضهم بعضاً سواء داخل المحافظة الواحدة أو بين المحافظات المنتفضة، جعلت تماسك الحراك متيناً تجاه العنف الشديد الذي مارسته القوات الأمنية والمجموعات المسلحة المرتبطة بإيران.
الصدر ومجزرة النجف
وأثبتت المجزرة التي أرتكبها أتباع مقتدى الصدر، أصحاب القبعات الزرق، في “ساحة الصدرَين” وسط مدينة النجف في الخامس من فبراير (شباط) الحالي، وراح ضحيتها 23 قتيلا و197 جريحاً، وأحرقوا خيام المتظاهرين، أن الصدر ينفذ مخططاً إيرانياً للقضاء على “ثورة تشرين” الشبابية السلمية. فمن مقر إقامته في مدينة قُم بإيران، دعا الصدر إلى تظاهرة مليونية صُدم بعددها القليل، ثم محاولة سحب المتظاهرين لمواجهة مسلحة خاب فيها مسعاه، وبذريعة المندسين والمخربين بين المتظاهرين الرافضين تكليف محمد علاوي لرئاسة مجلس الوزراء، حدثت مجزرة النجف، التي حولته من ورقة إيرانية محروقة إلى مسؤول عن جريمة قتل جماعي.
من هنا، كانت التظاهرات التي خرجت في كل المحافظات المنتفضة، وخصوصاً في النجف التي رددت في هتافاتها ما يلي “مقتدى الصدر قاتل”، “لا إله إلا الله، مقتدى عدو الله”. وهذه الهتافات لا تقتصر على المعنى اللفظي فحسب، وإنما تتعداه إلى الجانب الفعلي وأبعاده المستقبلية أيضاً.
إن حمام الدم في النجف لم يكن حالة عرضية قط، بل أمر مدروس نفذه الصدر بكل خبث، ففي 29 نوفمبر (تشرين الثاني) 2019 وقعت المجزرة الأولى، لأن الشبان النجفيين أحرقوا القنصلية الإيرانية، وبما أنهم أحرقوها مرتين، لذلك جرت فيهم المجزرة الثانية. فالنظام الإيراني لا ينظر إلى ما يصنعه من أفعال دموية توجب الرد عليها، بل يبيح لنفسه القمع ونفي الآخر الرافض مشروعه الطائفي والعنصري.
موقف العشائر
وعلى الرغم من سقوط أعداد كبيرة من الضحايا والجرحى من المتظاهرين السلميين، واعتراف منظمات حقوقية محلية ودولية، أن القوات الحكومة والفصائل المسلحة المدعومة من إيران استخدمت العنف المفرط ضد تظاهرات الشباب، إلا أن موقف العشائر في الوسط والجنوب، بشكل عام، يُعدّ محدود التحرك عملياً في توفير الحماية الاجتماعية اللازمة لأبنائها في ساحات الاحتجاجات والاعتصامات.
وفي خضم هذه الحال المتواصلة منذ أشهر، فإن العشائر لو تدخلت فلا يعني تصعيداً مسلحاً في مواجهة الدولة، بل من حقها الدفاع الاجتماعي عن شبابها المتظاهر سلمياً جراء عدم تمكين الدولة من تأدية واجبها الدستوري والقانوني بحماية مواطنيها، ولذلك يحق للقوة العشائرية أن تملأ الفراغ الأمني وتحمي الشباب في ساحات التظاهرات فقط.
وعندما يتم تجريد قوات الجيش والشرطة من سلاحها في ساحات الاحتجاجات، بينما عناصر الدمج والمجموعات المسلحة المرتبطة بإيران، تستمر في هجماتها بقتل المتظاهرين وإحراق خيامهم، فمن الواجب على شيوخ العشائر أن يتحركوا ويمنعوا آلة القتل اليومي وارتكاب المجازر بين الفينة والأخرى.
مناطق الغرب والشمال
وفي بداية التظاهرات، طلبت اللجان التنسيقية من المناطق ذات الغالبية من العرب السُّنة في غرب العراق وشماله بعدم الاشتراك، لكيلا تتخذها القوات الأمنية، وهيئة الحشد الشعبي ذريعة لعودة “داعش” أو تحرك بعثي قوي، وفعلاً كانت هناك تظاهرات طلابية محدودة في محافظات الأنبار وصلاح الدين ونينوى، سرعان ما توقفت.
وعندما أرادت بعض العشائر الأنبارية التحرك نحو بغداد بتقديم المساعدات الغذائية والعينية للمحتجين والمعتصمين في ساحة التحرير، جرى تخفيف هذا الاندفاع فوصل الشيء البسيط إليهم، تفادياً لتصادم سعت إليه المجموعات المسلحة الموالية لإيران.
بيد أن هذا الوضع لم يمنع الكثير من الأفراد في تلك المناطق بالاشتراك في التظاهرات والاعتصامات داخل العاصمة بغداد، وتقديم المساعدات المطلوبة في ديمومة الحراك الشعبي ضد أحزاب الفساد والهيمنة الإيرانية عبر أذرعها المسلحة، كما سقط منهم شهداء وجرحى، لكن بنسبة قليلة قياساً إلى بقية المناطق ذات الغالبية من الشيعة في المحافظات المنتفضة.
استنتاج
ووفق ما سردناه آنفاً، والمعطيات الجديدة التي خلقها الحراك الشعبي الذي يقوده شباب العراق المنتفض، فإنه يُعدّ حراكاً نصفياً ليس كافياً بغية إنجاز “ثورة تشرين”، التي ضحوا في سبيل تحقيقها بالأنفس والأرواح. وعلى قيادات اللجان التنسيقية تفعيل ونقل الحراك إلى جبهات داخلية وخارجية أخرى، منها:
أولاً، العمل على تحريك التظاهرات السلميَّة في المدن الغربية والشمالية، لكي تشكل ضغطاً شعبياً جديداً ومكملاً إلى مدن الوسط والجنوب. وعلى الرغم من الوضع المأسوي لأعداد هائلة من المهجرين والنازحين، وكذلك المعاناة اليومية من سطوة فصائل الحشد الطائفي، والآن تجري عملية عسكرية من خمسة محاور على محافظة الأنبار بذريعة التفتيش عن عناصر “داعش”، لكن هذا لا يمنع من تحريك الطلاب الذين هم أحد أعمدة ثورة الشباب المنتفض.
ثانياً، الضغط الاجتماعي والإعلامي على شيوخ العشائر بالتحرك الميداني في حماية المتظاهرين السلميين من المسلحين الموالين والمدعومين من إيران.
ثالثاً، تكليف جهة أو مجموعة من الأكاديميين والمهنيين خارج العراق بالتحرك نحو المنظمات الدولية، الحقوقية منها والقانونية، غايتها تحميل الإرادة الدولية مسؤوليتها الأخلاقية والإنسانية تجاه القمع العنيف للقوات الحكومية والفصائل المسلحة بحق المتظاهرين.
رابعاً، العمل على تنفيذ خطوات تصعيدية أكثر فاعلية، أهمها العصيان المدني، إذ تعكس قوة وصلابة المتظاهرين من جهة، وتلاحم ومساندة الشعب لهم من جهة أخرى.
خامساً، إن التمسك بالتظاهر السلمي وإطالة المدة الزمنية ليس شرطاً أن تكون نتيجتهما في صالح الشباب الثائر، إذ إنهم إزاء دولة بيد أحزاب فاسدة ومجرمة لا تأبه للاحتجاجات المدنية ولا تكترث لنزيف الدماء اليومي، وبذلك يحتاج الحراك الداخلي إلى ذراع خارجية تساعده على إنجاح هذه الثورة السلمية، كتشكيل لجنة تنسيقية دولية مثالاً.
إن خطورة الحراك الشعبي بقوة نصفية لن يحقق آمال وأهداف هذه الثورة التشرينية الشبابية، ففي التاريخ تفجرت ثورات لكنها أخفقت وفشلت، بحسب أسبابها. وعليه لا بدّ من تطوير ما حققه الشباب في الأشهر القليلة الماضية، وهذا يقع على عاتق الوطنيين المخلصين من وجهاء وشخصيات المجتمع في المساهمة بقوة أكثر لاستعادة الوطن من خاطفيه.