النباهة والاستحمار … عراقيا
مازن صاحب
مثل كثير من القراء العراقيين تستهوني أفكار وكتب الدكتور علي شريعتي، المفكر الإيراني المعروف، وكلما اعيد قراءة كتابه (( النباهة والاستحمار)) اتوقف عند تلك المقارنة التي يمكن ان تنعقد ما بين واقع الخمسينات الذي كان يتحدث عنه وواقعنا اليوم ، فاذا كانت الأفكار دورة جدلية عند هيغل فإنها كما يبدو تتجدد مع واقع لم يتغير في معطياته الأساسية بل في تغيير القشور من دون لمس الجوهر وهكذا هي أفكار هذا الكتاب خاصة، التي اذا ما قورنت بدايته في تحديد ( الانا والمصير) في مسالة وعي الوجود ، يبدو المواطن في عراق اليوم ما زال غير قادرا على التعامل مع ذات مواصفات التفسير الذي يذهب اليه شريعتي لتكون المحصلة ( التضحية بأعز الأشياء من اجل الحصول على اسخف الأشياء واقذرها ) هكذا يتنازل العراقي عن ثوابت هوية المواطنة لعراق واحد وطن الجميع من اجل هويات فرعية، يتنازل عن ثوابت حقوق الانسان في دستور 2005 ويركض وراء هذا الحزب وذاك النائب للحصول على وظيفة تحوله الى نموذج الاستعباد الذي يتطلب منه الاقتراع لحزب من حصل له على تلك الوظيفة .هذا العبث في الوعي الفردي عند المواطن بين النباهة الشخصية او الاجتماعية، تؤكد ان ما سبق وان ذكره شريعتي عن تلك المرأة التي يتوجب ان يقف امامها الانسان كفرد والمجتمع، وينصح القائمين على إدارة أمور المجتمع أيضا بالوقوف عند ذات المرأة ما بين ثقافة الوعي بالسياسة بالمعنى الافلاطوني لا معناها الصحفي اليومي، كم يبدو واقعنا اليوم بحاجة الى مثل هذه الوقفة وكل حزب بما لديهم فرحون، من دون الالتزام التاريخي المتقابل ما بين الفرد والمجتمع. مقاربة ذلك في أي متابعة يومية لشاشات القنوات الفضائية العراقية ومنصات التواصل الاجتماعي عن أي قضية راي عام مطروحة للنقاش، يمكن ملاحظة ان مثل هذه الوقفة امام مرآه الحقيقة للعلاقة التاريخية بين الفرد والمجتمع من جانب والقائمين على إدارة السلطة من جانب اخر انما يستجيبون من حيث يعرفون او لا.. لإرادة الغير الذي وصفه شريعي بقوى الجهل والاستكبار لاسيما الاستعمار، وربما او الأكيد ان عراق اليوم يواجه ثالوث الجهل والفقر والامية فتعددت الأطراف التي تسعى الى تطبيقات ” الاستحمار” وتقلل من اثار مساعي نخبوية لبلورة تلك الانتباه التي تنقل واقع عراق اليوم من الجاهلية المتجددة الى عالم المعرفة وتفتح أبواب المستقبل لأجيالنا المقبلة.هذه المقولة الرباعية التي يكررها شريعي في كتابه عن ( الاستغلال ، الاستعمار، الاستبداد ، والاستعباد) انما تكرر اليوم عراقيا في حدود هدف هذا المقال، وربما في مواطن أخرى ، لكني ما يهمني ان نفهم لماذا نوافق على الاستغلال السلطوي من دون محاسبة فساد نظام عوائل المحاصصة ، اذا اقتبست الأفكار من شريعتي لان هذا الاستغلال انما يرتبط بالاستعمار، والمثال العراقي واضح في قدوم من جاء على ظهر الدبابة الامريكية فرحا باحتلال وطنه، ليتحول بعد ذلك الى نموذج الاستبداد وصولا الى حال الاستعباد الذي زرع عراقيا عشرات الخطوط الحمراء من الشخصيات التي تعتبر ” تاج الراس” ومطلوب من الجميع عدم تجاوز الاقطاعية السياسية التي يفرض سيطرته عليها .وحين يقول شريعتي ان الاستحمار نوعان مباشر لتحرك الاذهان الى الجهل والغفلة او سوق الاذهان الى الظلال والانحراف، وغير مباشر عبارة عن الهاء الاذهان بالحقوق الجزئية البسيطة لتشغله عن المطالبة بالحقوق الحياتية المطلوب تطبيقها كليا، مثالنا اليوم الكهرباء والصحة والتربية والتعليم والفقر وتوزيع الرواتب وغيرها من القضايا التي تشغل بال المواطن وتجعله يعيش دوامة يومه بلا سؤال عن حقوقه في ريع النفط ومساواة منفعته الشخصية مع المنفعة العامة للدولة ، يلغي هويته الوطنية ويقدم هوية العشيرة التي تقوم بحمايته بسبب عدم نفاذ القانون، ويؤسس جمهورية جديدة لمنطقته تتقدم مطالبها على مطالب عراق واحد وطن الجميع . نعم عراق اليوم بحاجة الى فهم النباهة والاستحمار في رباعية شريعتي، وبحاجة أكثر الى قادة راي عام يقدمون له الحقائق بالأرقام الموثقة من اجل شفافية الاخذ والرد، فربما تكون لدى أحزاب مفاسد المحاصصة ما يمكن ان يردون به على كل ذلك ربما.. ويبقى من القول لله في خلقه شؤون ..!!