رئاسة الجمهورية العراقية والكتل السياسية استهترت بمطالب المواطنين.
الكاتب: عماد الدين الجبوري
عندما تتهم “منظمة العفو الدولية” بشكل صريح السلطات العراقية بممارسة “انتهاكات خطيرة وقمع وقتل وحشي” ضد المتظاهرين السلميين، فإنه اعتراف واضح من هذه المنظمة لحاجة الشباب العراقي المنتفض إلى حماية تمنع عنهم القتل والخطف والاعتقال، سواء من القوات الأمنية الحكومية أو الفصائل المسلحة المدعومة من إيران.
ومع تصاعد وتيرة العنف الحكومي، تقول منظمة العفو الدولية أيضاً، “يبدو أن حرق خيام المتظاهرين في ساحات المُدن، إجراء تقوم به السلطات العراقية لإجلاء المتظاهرين السلميين عن الأماكن العامة. ينبغي لسلطات بغداد تلبية مطالب المحتجين عبر معالجة الفساد المتفشي وتحسين حصولهم على الخدمات الأساسية والوظائف بدل استخدامها غير المبرر للقوة”.
وكذلك يقول موقف بعثة الأمم المتحدة في العراق “يونامي” الصريح “نرفض محاولات السلطات العراقية إنهاء التظاهرات في العراق باستخدام القوة والعنف المفرط، ويجب حماية حرية التعبير لجميع العراقيين من دون خوف، ووقف استهداف المتظاهرين وقمعهم”.
ومن بين التقارير والبيانات لمنظمات دولية أخرى، المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان في جنيف، الذي يكشف بشكل متواصل عن قوات الأمن العراقية والعناصر المسلحة الموالية لها بعمليات استهداف مباشر للمتظاهرين بالرصاص الحيّ والقنابل الغازية بغرض القتل وإحداث إصابات مميتة وإعاقات في صفوفهم. ويؤكد المرصد أن المتظاهرين لا يشكلون أي خطر على قوات الأمن التي تتعمد تفريقهم بالقوة المفرطة.
وبحسب توثيق المرصد استخدام القوة الشديدة غير المبررة للحكومة، فإنه يُعدّ “مؤشراً خطيراً إلى انتهاك الحق في التجمع السلمي، والإصرار على القمع، على الرغم من تعهدات الحكومة المتكررة بحماية الحق في التظاهر”.
في مقابلة أجرتها قناة “سي إن إن” الأميركية مع ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة في بغداد، جينين بلاسخارت، كشفت عن وجود خريطة طريق للحل في العراق سيتم عرضها على الأمم المتحدة، وأكدت أن “الخطة ستضع عراقاً مستقراً”. وأضافت أن “الأزمة العراقية ذاهبة باتجاه التدخل الدولي”.
بيد أن الخطة التي أشارت إليها بلاسخارت ستكون من خلال “مشاركة مع السلطات العراقية”، ثم ستعرض على هيئة الأمم المتحدة. كما أعربت عن أملها في أن “يدعم الجميع خطة تؤدي إلى استقرار العراق”.
وفي هذا الصدد، انتقد رئيس مجلس الوزراء الأسبق أياد علاوي الوضع السياسي الذي سيؤدي إلى التدخل الدولي، إذ يقول، “على الحُكام وسياسيّيْ العراق الخجل من توسل المتظاهرين السلميين المطالبين بالإصلاح بطلب النجدة من المنظمات الدولية والإقليمية لحمايتهم”.
وبدأ المتظاهرون يكثرون من رفع أعلام الأمم المتحدة في مسيراتهم الراجلة، ملوحين فيها إلى حاجتهم المُلحة إلى الحماية الدولية من فتك القوات الحكومية والفصائل المدعومة من إيران.
وعلى الرغم من أن فتح باب التدويل من أجل حماية المتظاهرين من بطش قوات الأمن والمجموعات المسلحة، ستكون له تداعياته السياسية والأمنية على العراق، لكن كثيراً من العراقيين يرون بأنها ضرورة مرحلية لا بدّ منها، بغية إزاحة أحزاب الفساد وهيمنة إيران، وإعادة بناء الدولة على أُسس مؤسساتية صحيحة تراعي فيها الحقوق والمساواة بين المواطنين، وهي من أهداف ثورة أكتوبر (تشرين الأول) السلميَّة.
التحرك المضاد للصدر
بعد فشل تظاهراته التي دعا إليها من إيران، ولم يحقق منها الهدف المنشود بشق وحدة التظاهرات والاحتجاجات، وقبيل انتهاء مهلة تعين بديل عن عادل عبد المهدي، تحرك مقتدى الصدر بشكل عنفي. إذ اقتحم أتباعه ذوو القبعات الزرقاء من سرايا السلام، الذراع المسلحة للصدر، مستخدمين الهراوات والسكاكين ضد المعتصمين في البناية ذات 14 طابقاً المطلة على ساحة التحرير، والتي تُعرف بالمطعم التركي، وهي نقطة تمركز لمجمل المتظاهرين والمعتصمين بشكل عام، وأخرجوهم منها عنوة.
في ذلك اليوم، الأول من فبراير (شباط) الحالي، عندما تم تكليف محمد توفيق علاوي رئيساً لمجلس الوزراء، ادعى الصدر بأن الشعب أنتخبه، وأن التظاهرات تؤيده، كما طالب القوات الأمنية بمنع كل مَنْ يحاول قطع الطرقات، وأن “الثورة” يجب أن تعود إلى انضباطها وسلمها، على حدّ زعمه.
أمَّا على أرض الواقع، فإن كل التظاهرات في المحافظات المنتفضة من بغداد إلى البصرة، انطلقت تندد وترفض توفيق علاوي. فهو مُرشح كتلة البناء، وهادي العامري ونوري المالكي وبقية الطبقة السياسية الفاسدة. كما أن علاوي نفسه متهم بقضية فساد وإهدار المال العام عندما شغل منصب وزارة الاتصالات مرتين في حكومة المالكي (2006-2014)، وحُكم عليه بالسجن سبع سنوات غيابياً، لأنه كان هارباً إلى لبنان عام 2016.
إن علاوي على نمط عادل عبد المهدي تجاه إيران، وتجمعه بالصدر صلة مصاهرة عائلية، وأن اختيار رئيس الجمهورية برهم صالح له جاء وفق ما فرضه النظام الإيراني. إذ في القاعة التي كُلف بها علاوي، ظهرت صورة معكوسة لوجه مدير مكتب عبد المهدي، المدعو أبو جهاد الهاشمي، أحد أخطر المخططين والمشرفين على قمع المتظاهرين.
كما أن الشريط المصور الذي تحدث فيه علاوي، يثير كثيراً من علامات الاستفهام والتساؤلات منها:
أولاً، إن كلامه لا يقنع به أحداً من المتظاهرين الذين أثبتوا نضجهم في الوعي والإدراك، ومقدرتهم على الصمود والمثابرة طيلة الشهور الأربعة الماضية.
ثانياً، إن قوله باستمرار التظاهرات حتى تتحقق المطالب، يتضارب مع موقف الصدر الذي يعمل على إنهاء التظاهرات وتأثيراتها الداخلية والخارجية. بمعنى، يوجد تناقضات مبدئية في مستهل سلطته.
ثالثاً، إن تكليفه لم يجر وفق المراسيم المتعارف عليها، في حضور رؤساء الجمهورية والبرلمان والقضاء الأعلى، كأن التكليف جاء بشكل انقلابي مريب، خصوصاً أن عدداً من النواب احتجوا على تكليف علاوي.
رابعاً، إنه محكوم بقضية مخلة بالشرف، والمادة 77 من الدستور لا تجيز له أن يتولى هذا المنصب.
صفوة القول، إن الاحتجاجات الواسعة التي شهدتها، وما زالت تشهدها بغداد وبقية المحافظات الوسطى والجنوبية، بهتافاتها المتعالية، تؤكد أن رئاسة الجمهورية والكتل السياسية استهترت بمطالب المواطنين، وأن تمرير علاوي تجاوز لإرادة الشعب ودماء الشهداء، وما يتعرضون له في الساحات من هجمات عنيفة متكررة لعصابات الصدر. إذ سقط خلالها أكثر من ضحية وعدداً من الجرحى في بغداد والحلة والنجف والديوانية وغيرها، من دون أن تتدخل قوات الأمن لمنع المهاجمين وتحمي المتظاهرين.
إن ما يجري منذ مطلع الشهر الحالي، ولغاية كتابة هذه السطور، يعدّ طعنة جديدة، لكنها لا تقتل شعباً حراً أصيلاً. كما أن المنظمات الدولية من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والجامعة العربية وغيرها، مدعوة الآن إلى التدخل العاجل لحماية المتظاهرين والمعتصمين السلميين. إذ إن تدويل انتفاضتهم سيخلصهم من هذه الطبقة السياسية الفاسدة والمجرمة.