مقالات

جمعة بلا طارق حرب

جمعة بلا طارق حرب – نوزاد حسن

قبل شهر تقريبا شاهدت طارق حرب رحمه لله يجلس على كرسي في قصيرية المتنبي كعادته.اقترب منه شاب لالتقاط سيلفي معه،ابتسم له،والتقط الشاب السيلفي بفرح.كنت اريد ان اتحدث معه لكنني اجلت حديث الى وقت آخر دون ان اعرف السبب.كنت اود ان اثير معه نقاشا يتعلق بسر تعلقه بتراث بغداد الشعبي وتاريخها.وحين سمعت خبر رحيله ندمت،وحزنت في الحقيقة وكأن فيضانا ضرب بغداد ودمر بيوتها. لم يكن ندمي على عدم حديثي مع طارق حرب هو الندم الوحيد بل كررت ببلادة ما فعلته مع طارق حرب.مثلا في تسعينات القرن الماضي شاهدت مدني صالح يسير بهدوء في باب المعظم.كانت خطواته قصيرة، وكان يسير وهو ينظر الى الارض.عرفته واردت ان اتجه اليه والتحدث معه لكني اجلت الفكرة فرحل استاذ الفلسفة مدني صالح دون ان التقيه. بالبلادة نفسها التقيت في منطقة المشتل وفي الثمانينات بالفنان التشكيلي شاكر حسن آل سعيد.نزل من سيارته الماليبو ودخل الى مسجد المشتل قبل ان ادخل انا وصديق لي.حين خرجنا لم اكلف نفسي بالحديث معه.اتجه الفنان شاكر حسن آل سعيد الى سيارته وغادر الى الابد. وتكرر الامر مع محمد غني حكمت وقد كان متجها الى قاعة حوار.كنت اسير بهدوء مثله،وانتبهت اليه،لكني بقيت صامتا.وكنت اتمنى ان احدثه.لكني لم افعل،وتطول قائمة المبدعين الذين لم اقترب منهم مع رغبتي الكبيرة في التعرف اليهم. في الواقع لا اتخيل جمعة المتنبي بلا طارق حرب.هذا البغدادي البسيط ذو الصوت الهادر الملم بثقافة شعبية تحفظ المكان من الضياع.لا استطيع تخيل مكانه في القيصرية وهو يتحدث مع شباب او كهول.لم يكن يوم الجمعة الماضية يوما عاديا بل كان يوما بلا معنى.وقد شعرت وانا اقطع شارع المتنبي بحزن غريب يسيطر علي.وكنت انظر الى وجوه الناس لابحث عن ظل لحزن على فقدان هذا الخبير.كنت طفلا بكل معنى الكلمة في اول جمعة بعد رحيله. طارق حرب هو نموذج للذاكرة التي تقاوم النسيان.كما انه نموذج لن يتكرر بسهولة لشخص احب بغداد كل هذا الحب.وكم تمنيت لو انه ولد ايام ابي جعفر المنصور لفعل مع التاريخ العباسي ما فعله مع بغداد وهو يكتب عنها وعن عاداتها ورجالها ونسائها.انه نسر عجوز لم يتقاعد.وكان بينه وبين موته امام شاشة التلفزيون دقائق..لقد رحل بعد ان افرغ كل ما في نفسه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى