أولادنا خلقوا لزمان غير زماننا
أولادنا خلقوا لزمان غير زماننا – علي الشكري
لا يختلف منصفان على أن الإمام علي ” عليه السلام ” لم يسبقه حكمةً حكيم ولم يعقبه مثله ، فقد سبق زمانه حكمة وغطى ما تلاه حاجة ، فهو القائل ” أسألوني قبل أن تفقدوني ” وهو من خاطب الفانية محتقراً “. يا دنيا غري غيري ” وهو من أطلق خالدته ” لا تؤدبوا أولادكم بأخلاقكم ، لأنهم خلقوا لزمان غير زمانكم ” . فالدول أحوال والبشر في تعاقب والعلم في تطور والأحداث في تسارع ، ونزعة الخير في تراجع وغريزة الشر في تنامي . يحدثنا القرآن الكريم عن أحوال الأقوام والأمم ، وتعاقب الأنبياء والرسل ، وتقلب الشعوب والبشر ، فهم كل يوم في شأن . وبالقطع أن السعيد من الشعوب والفهيم من الحكام ، هو ذلك الذين يؤمن بتعاقب الزمان وتقادم الاخلاقيات وتغير السلوكيات وتنوع الأذواق وتبدل التطلعات ، فاليقين أن كل ما حول الناس الى تغير ، سكن ومأوى ومركوب وطعام ولباس ….. ، فلماذا لا تتغير الأذواق وتتبدل التطلعات وتستجيب عقلية الحكام ، وتتقبل ذائقة المُشار وراسم السياسة ومتخذ القرار ؟ في العراق حدث زلزال سياسي مجتمعي أمني بعد سنة 2003، نشأ نتيجة زوال ديكتاتورية وحلول فوضى تحت مسمى الديمقراطية ، خطط لها الخارج ووقع في شركها الداخل ، فانفتح المجتمع دون الدولة على العالم فكان المآل اختلاف في حركة التطور ، واستقطاب مجتمعي ونفور سياسي ، فالشعب تطلع الى ما وصل اليه العالم دون أن يؤمن أن ذلك التطور كان نتاج مراحل وتقدم وتراجع واستقطاب ثم استقرار ، وظل الحاكم يحكم بعقلية زمانه ومنطق معارضته السالفة ، وآليات حكم غادرها العالم المتطور ولم يعد ينظر اليها ، وما زاد في هذا التوجه وعمّقه عصف الاضطراب الأمني ، وتكالب البلدان وتزايد القطيعة الدولية وتجذرها ، وكل ذلك يحدث في بلد عُرف بعمق تاريخه ، وتعدد حضاراته ، وتنوع حاضراته ، وفاعلية شعبه ، فالشعب العراقي متحرك لا يركن للهدوء وغيره ساكن . لقد دخل العراق نطاق الهبة الديموغرافية منذ سنة 2016، حيث أن الفئة العمرية بين سن 15سنة وسن 64سنة أصبحت تشكل 85 بالمئة من الشعب العراقي ، وهو ما يقتضي الاهتداء لحلول مبتكرة لاستيعاب كل قادر على العمل وراغب فيه ، ودون شك أن المؤسسة الحكومية لم تعد قادرة على استيعاب المزيد من الطاقات بعد أن أصبح العراق انموذجا للبطالة المقنعة ، ومن أجل الخروج من هذا الإشكال عالجنا الإشكال بإشكال أكبر بعد جائحة كورونا ، حيث اصبح الدوام الرسمي 50 بالمئة . بذريعة الجائحة ، وساعات العمل ثلاث ساعات بحجة شدة الزحامات ، وتتخلل الساعات الثلاث ، أوقات فطور وغداء ووقت مستقطع استعداد للخروج والمغادرة ، ويحدثونك عن مسايرة ركب العالم وملاحقة التطور واستيعاب المتغير .على المتصدي للشأن ، وراسم السياسة ومتخذ القرار ، كل حسب مساحته، أن يعلم أن البطالة في ارتفاع والفقر في تزايد والقادر على العمل في ضيق وعسر ، ولا سبيل لمغادرة الازمة ومسايرة المتغير وملاحقة أعداد الباحثين عن العمل ، الا باللجوء الى القطاع الخاص ، وتفعيل الاستثمار القائم على المشاريع الاستراتيجية ، والمستثمر القادر لا المتطفل الدخيل ، واللجوء الى الانقلاب التشريعي القادر على تلبية حاجات القطاع الخاص والمستثمر ، وبغير ذلك سيبقى الأمر محض تنظير ومجرد ترقيع ، وترحيل للأزمات المتفاقمة المتلاحقة والتي ستنفجر في لحظة الصفر لتأتي على الغث ممن حكم ، والسمين الذي سعى جاهداً للإصلاح دون أن يعينه ما شغل على إحداث التغيير ، ويقيناً أن ثمن الانفجار المجتمعي سيكون باهضاً على البشر والحجر ومسيرة التطور ، والعاقل من اتعض بالتجارب وقرأ التاريخ واستعان باصحاب الخبرة وبيت التجربة .
