الاغتيال والانقلاب وما بينهما
د. فاتح عبدالسلام
سيل الأسئلة بدأ يتدفق، ليس بالضرورة له إجابات محددة، أيهما أكثر تدميراً للوضع العراقي في هذا المشهد المتضعضع، اغتيال رئيس الحكومة ام انقلاب عسكري او مليشياوي كامل الأركان؟ وايهما يكون قابلاً للتحقق في ظل عدم استشعار الخطر المحدق من الرؤوس السياسية المحشوة بالعُقد، انقلاب الدولة على اللا دولة ام العكس؟ لا يمكن النظر الى محاولة اغتيال رئيس الحكومة من منظار الصدفة الانفعالية الظرفية لتصعيد تظاهرات او لتداعيات انتخابات أو تعبيراً عن تظلّم ما، فالهدف هو ضياع البوصلة وخلط الأوراق كنوع من الصدمة التي تأتي بعدها صفحات أخرى يكون مخططاً لها بحسب مَن يريد وضع البلد على حافة الهاوية. هناك تخطيط مسبق واضح عبر تهيئة الطائرات المسيّرة المسلحة مع استطلاع دقيق لأحداثيات الهدف، وهي سياقات عسكرية لها ارتباط تنظيمي واضح لا تصدر عن ذئاب منفردة. والطائرات المسيّرة ذات التسليح الدقيق، ليست كطائرات الهواة ذات الكاميرا للتصوير والتسلية المتوافرة في الأسواق المدنية، كما انّها طائرات تملكها دول أو جماعات مدعومة من دول من الناحية المادية والمعلوماتية. أمّا لماذا التوقيت في تنفيذ محاولة الاغتيال جاء الآن وليس عقب مرحلة تشكيل الحكومة الجديدة، فتلك مسألة ترجع الى استشعار مخططي ومنفذي العملية بأنّ الوقت يسير لصالح تركيز ملامح دولة بعد سنوات طويلة من مسميات دولة من دون محتوى او من خلال محتوى مزيف. كما ترجع أسباب التوقيت الى حالة اليأس من إمكانية ارجاع الأوضاع الى المربع الأول، حين كانت الفوضى هي عنوان الشارع العراقي، بما يديم الفائدة للذين اعتادوا العيش في اللا دولة والتصرف من خلالها. لا يعني هذا الكلام انَّ الانتقال من اللا دولة الى الدولة قد تمَّ إنجازها، لكن هناك توجهات للسير بهذا المسار. قرار الاغتيال، هو الصفحة الأولى من الانقلاب الفوضوي ولا أقول العسكري، وانّ المحاولات ستتكرر نحو اهداف أخرى، ما دامت اللا دولة طليقة، والدولة المرجوة والمتوقعة رهن الاعتقال التعسفي بأسماء شتى منها دستور معطل وقوانين محنّطة وتوافقات وإرادات إقليمية ودولية ضاغطة.