شاهد ما شاف حاجة
د. فاتح عبدالسلام
الجامعة العربية، ظننا لسنوات وربّما لعقود، انها التعويض المعنوي الضروري وخط الحماية المانع لسقوط مفهوم الامة العربية الواحدة التي تحيا في ضمير الانسان العربي من قبل ان تستغل الأحزاب القومية ذلك شعاراً سياسيا لها، ما تلبث ان تسهم في الفتك بجسم هذه الامة مع جيوش الفاتكين. اليوم الجامعة العربية في أوهن صورها، يكاد اسمها يغيب للنهاية لولا بنايتها الكبيرة الشهيرة في القاهرة والشارع الذي يحمل اسمها هناك، ولولا الموازنة المالية التي تدفعها الاقطار العربية كل عام، لتستمر هذه المؤسسة المتضخمة بتفاصيلها وكوادرها وما انبثق عنها من تشكيلات، يفترض انها جميعا تستنفر من أجل ألا يقع انهيار في أي جزء من أجزاء هذه الامة، أقصد الأمة المفهوم، ولا أقول الكيان الواحد الحلمي والخيالي. لكن الحال العربي يبدو الآن شيئاً آخر مختلفاً، صغرت امامه مؤسسة الجامعة الى حد العجز شبه التام . في عقود بعيدة كانت الجامعة العربية تحضر في وسط الازمات وتتدخل بوساطات وضغوطات الاخوة فتقلل من المشكلة وتحد من أثرها في حال عدم حلها. اليوم حال العرب نراه في سوريا الغائبة عن ديمومة العلاقات العربية الا من رحم ربي، وليبيا التي حاولت الوساطتان المغربية والمصرية انتشالها من دوامة الحرب قبل الأمم المتحدة ومجلس الامن، والحال واضح تصدعه بين الجزائر والمغرب الى حد الغاء أنبوب الغاز الجزائري المار عبر الأراضي المغربية مع قطع كامل للعلاقات الدبلوماسية، ولبنان المنهار اصلاً يدخل المرحلة الأولى من قطع العلاقات مع السعودية وبعض دول الخليج، وفي اليمن حرب وما تعنيه الكلمة، والازمة الخليجية تفاقمت سنوات من دون اثر للجامعة العربية في حلها لولا مبادرة ولي العهد السعودي وترحابه التاريخي فاتحا ذراعيه لأمير قطر في المطار في تلك اللقطة الشهيرة التي غسلت المشهد المتعكر كله. ولا ننسى ما جرى في العراق وسوى ذلك الكثير الذي لا تحصره سطور معدودة هنا. نلتفت يميناً او شمالاً، ولا أثر لجامعة الدول العربية، حتى مؤتمرات القمة العربية غاب عنها دورها الطليعي ذو السمة القيادية المعنوية المشرقة. ثمة آت سيء له مقدمات ظاهرة كثيرة، كان ينبغي ان تقول الجامعة العربية كلمتها بقوة وثقة من دون مجاملة لأي طرف، ولا ترهن مواقفها بتهديد أي طرف في قطع التمويل عنها، أو بسبب موقف دولة واحدة من المحور الفلاني او العلاني، وحتى لو حصل ذلك ضدها، فإنها تكون قد أدت دورها، ولم تكن شاهداً ما شاف حاجة.