لماذا استبدل تمثال كولومبوس بنصب يمثل امرأة؟
شيدت السلطات المكسيكية نصبا يمثل امرأة من السكان الأصليين للبلاد في الشارع الرئيسي بالعاصمة مكسيكو سيتي، في موضع تمثال لكريستوفر كولومبوس هاجمه متظاهرون العام الماضي وقاموا بتشويهه.
وفي تقرير نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” (New York Times) الأميركية، يقول الكاتبان أناتولي كورماناييف وأوسكار لوبيز إن قرار استبدال النصب التذكاري في قلب العاصمة المكسيكية أثار خلافات حادة على الساحة السياسة في البلاد وجدلا واسعا يشمل قضايا العرق والتاريخ والجنس.
وقد أعلنت عمدة مكسيكو سيتي كلوديا شينباوم -يوم الثلاثاء الماضي- أن تمثال كولومبوس في الشارع الرئيسي بالعاصمة مكسيكو سيتي سيحل محله تمثال امرأة من السكان الأصليين يمثل فترة ما قبل الاستعمار.
تجاذبات سياسية
وهذه الخطوة -التي جاءت قبيل الإعلان المتوقع لعمدة مكسيكو سيتي عن ترشحها للانتخابات الرئاسية عام 2024- يُنظر إليها على نطاق واسع على أنها محاولة من شينباوم -وهي أول امرأة تُنتخب لقيادة أكبر مدينة في أميركا الشمالية- لاستغلال الأزمات الاجتماعية والثقافية التي تجتاح البلاد، بما في ذلك النزعة النسوية المتصاعدة ضد الهيمنة الذكورية.
وقالت شينباوم -في مؤتمر صحفي بمناسبة ذكرى وصول كولومبوس إلى الأميركتين- إن “التمثال الجديد يرمز إلى كفاح النساء، ولا سيما نساء السكان الأصليين، عبر تاريخ المكسيك. إنه تاريخ من الطبقية والعنصرية التي جاء بها المستعمرون”.
وحسب الكاتبين، فإن رئيس المكسيك الحالي أندريس مانويل لوبيس أوبرادور ذهب أبعد من أسلافه في إدانة التاريخ الاستعماري، والاحتفاء بثقافة السكان الأصليين وتقديم نفسه مدافعا عن الفقراء، في مواجهة التيار المحافظ في المعارضة والنخبة المنحدرة -في أغلبها- من أصول أوروبية.
وأقام الرئيس فعاليات كبيرة في مكسيكو سيتي هذا العام تخليدا لذكرى مرور 500 عام على سقوط عاصمة الأزتك في يد الغزاة الإسبان، وقام بجولة كبيرة في أنحاء البلاد خلال الفترة الماضية للاعتذار للسكان الأصليين عن الجرائم الاستعمارية، وطالب الحكومة الإسبانية بتقديم تعويضات، لكن لوبيس أوبرادور أظهر -على عكس شينباوم- اهتماما أقل بمطالب الحركة النسائية.
وفي الأعوام الأخيرة، خرجت المكسيكيات بأعداد كبيرة إلى الشوارع للمطالبة بإجراءات حكومية صارمة للتصدي لظاهرة العنف ضد المرأة، حيث تشهد المكسيك أحد أعلى معدلات العنف المنزلي في أميركا اللاتينية. ووفقا لأرقام حكومية، شهد العام الماضي مقتل 10 نساء وفتيات في المكسيك في معدل يومي، وتمر معظم الجرائم بلا عقاب.
وخلال العام الجاري، خرجت آلاف النساء للاحتجاج في مكسيكو سيتي، وهاجمن تماثيل الحقبة الاستعمارية، معتبرات أنها ترمز للهيمنة الذكورية في البلاد.
وقلل الرئيس أوبرادور من شأن هذه الاحتجاجات، وذهب إلى حد وصفها بأنها محاولات من المعارضة لزعزعة استقرار حكومته.
والشهر الماضي، قال الرئيس المكسيكي إن الحركة النسوية في البلاد لم تظهر إلا بعد أن تولى منصبه عام 2018.
وقد شكلت تصريحاته ضد الحركة النسوية تحديا كبيرا لتلميذته وخليفته المحتملة، العمدة شينباوم، التي حاولت تقديم نفسها قائدة لجناح أكثر تقدما وحداثة في حزب “مورينا” اليساري الذي يتزعمه أوبرادور، وقد تعرضت شينباوم لانتقادات من المنظمات النسوية بسبب إدانتها الهجمات العنيفة على المنشآت العامة خلال مظاهرات عام 2019.
قرار استبدال النصب التذكاري في قلب العاصمة المكسيكية أثار خلافات حادة على الساحة السياسية في البلاد (الفرنسية)
جدل متواصل وآراء متباينة
خلال العام الماضي، أزالت السلطات التمثال البرونزي لكريستوفر كولومبوس -الذي شيد عام 1877- بعد أن قام المتظاهرون بتشويهه وهددوا بتحطيمه بالكامل.
وحل مكان التمثال منحوتة أطلق عليها اسم “سيدة أماجاك الشابة”، التي تم اكتشافها شهر يناير/كانون الثاني الماضي بولاية فيراكروز شرقي المكسيك، ويعود تاريخها إلى فترة رحلات كولومبوس، أي منذ أكثر من 550 عاما.
يبلغ ارتفاع التمثال الجديد حوالي 20 قدما، أي 3 أضعاف ارتفاع التمثال الأصلي، الموجود حاليا في المتحف الوطني للآثار في مكسيكو سيتي.
وتقول فاليريا موي مديرة مركز أبحاث السياسة العامة، وهي مؤسسة فكرية مكسيكية، إن اختيار تمثال امرأة لتحل محل كولومبوس يمكن أن يجذب “النسويات”، كما يعزز في الوقت ذاته خطاب أوبرادور الداعم للسكان الأصليين، وتضيف موي أن “العمدة تحاول إرضاء الجميع، خاصة رئيسها. ومن وجهة نظر سياسية، يبدو أن اختيار التمثال قرار صائب”.
في المقابل، ترى الناشطة فاتيما غامبوا أن السياسيين “يركزون على التمثال، لكنهم لا يهتمون بحقوق النساء”.
وتقول غامبوا -وهي من عرقية المايا الأصلية- إن الاحتفاء بتراث السكان الأصليين في المكسيك لم يسهم في تحسين الظروف الاجتماعية والاقتصادية ومكافحة التمييز الذي لا تزال تعاني منه العديد من نساء السكان الأصليين.
من جانبه، يرى رئيس المكسيك السابق فيليبي كالديرون أن تمثال كولومبوس يعد قطعة ثمينة من التراث الفني والتاريخي للمكسيك، وأن تغييره ليس قرارا صائبا.
وكتب كالديرون -في تغريدة على تويتر- الشهر الماضي، عندما أعلنت سلطات مكسيكو سيتي لأول مرة عن خططها لاستبدال تمثال كولومبوس بنصب آخر يرمز إلى السكان الأصليين، أن “إزالة التمثال وتشويهه يعد جريمة”.
المصدر : نيويورك تايمز