تصديق الشائعة وتكذيب الزيارة
د. فاتح عبدالسلام
حين شاعت في العراق أنباء عن زيارة سرية قام بها قائد فيلق القدس الايراني عقب الإعلان الأولي لنتائج الانتخابات المبكرة، ذهب العراقيون الى تصديق ذلك بسرعة وتناقلوا تفاصيل للقاءات مثيرة ربما ليس لها وجود أصلاً، ولم يلتفتوا الى نفي أعلنه بخفوت مستشار لرئيس الحكومة العراقية، كما انَّ مفعول التكذيب الإيراني الرسمي عبر السفير في بغداد لحدوث الزيارة انتهى في اليوم التالي، ولم يلتفت اليه جمهور التواصل الاجتماعي. لماذا ذهب العراقيون لتصديق نبأ الزيارة التي نفاها رسميون وضعَّفَ حدوثها سياسيون واحتاط لها زعيم التيار الصدري بإعلانه المبكر لبيان الفوز؟ هناك قناعة في انّ هناك زيارات لمسؤولين أجانب قادرة على تغيير المعادلات او إعادة ترتيبها ورصف أرقامها، وهذه القناعة المتولدة عبر مواقف الموالين لإيران في العراق لا تمتُ للثوابت المفروض وجودها بصلة، لكنها مسار ونهج وعلامة لا يمكن تحاشيها في العراق. في المقابل، تحدث زيارات للبلاد ذات سمعة عربية وعالمية كبيرة، من دون أن تؤثر في أي إطار سياسي حتى، لو من باب المجاملات. ينتظر العراق زيارة شيخ الازهر، وهي الأولى من نوعها، ولها أهمية اعتبارية كبيرة، وصدر أول ترحيب بها من النجف الاشرف قبل أيام. وكان قبل شهور قد زار بابا الفاتيكان العراق، وجرت في استقباله احتفالات شعبية لم يُقم مثيل لها لزعماء أو سياسيين. وعلّق العراقيون الآمال الكبيرة على تلك الزيارة، وتوهّموا لبعض الوقت انّ بإمكان زيارات خارجية ان تؤثر في الوضع الداخلي العراقي. ولا نزال نسمع من المسيحيين في البلاد انَّ آمالهم لم يتحقق الحد المقبول منها، لاسيما انّ حركة الهجرة الى الخارج كانت أكبر من أن تواجهها دعوات إعادة اللاجئين والمهاجرين، وقد تعقّدت الأمور بعد أن فقد المهاجرون أموالهم وديارهم. الزيارات التي يقوم بها المسؤولون من أصحاب المناصب الاعتبارية تصلح للصور التذكارية فحسب. العراق وضعه خاص ولا تؤثر في موازينه والقناعات السائدة في منهجه السياسي اية زيارة من هذا النوع. إنَّ العراقيين قد يصدّقون أهمية زيارة هي مجرد شائعة، ويكذّبون فوائد زيارة سواها تحققت فعلاً. وهذا مجرد توصيف لواقع الحال من دون الانتقاص من قيمة اية شخصية اعتبارية يكن لها العالم الاحترام والتقدير، ولا يزال العراقيون شعبا وضمائر حية توّاقين لحدوثها.