الاجتثاث في بلاد الأفغان
د. فاتح عبدالسلام
عشرون سنة من التأسيس الجديد في التعليم ومنظمات المجتمع المدني وجمعيات النساء والاعلام المنفتح على التعددية، لا يمكن أن تذهب سدى، وهناك لا يزال ملايين الأفغان داخل بلدهم متأثرين بما جرى من تغييرات في الحياة العامة في خلال العقدين الأخيرين. صحيح انَّ هناك خوفاً مبرراً من المجهول الذي ينتظر الناس مع الحكم الثاني لحركة طالبان عند استذكار ما قامت به الحركة من سياسات داخلية في حكمها الأول، الا انَّ الحركة مهما كانت قاسية لا يمكن أن تفرغ المجتمع من قواه العاملة المتنورة بالعلم والمتطلعة لغد افضل، بغض النظر عن أمور شكلية ترتبط بتراث المجتمع وتقاليده في الملبس والسلوك العام. لكن النزوع نحو افراغ البلد من كل أفغاني كانت له بصمة أو لمسة في أي جانب في الحياة، هو عمل خاطئ تماماً، لأنّه استسلام لرؤية واحدة مكتسحة للحياة لا تجد ما تكابده من تيارات مضادة تسعى لانتزاع مكانتها الخاصة وحقوقها وخياراتها في الحياة. لابد من إبقاء بذرة التفاعل والتلاقح من اجل انتعاش آمال التغيير بما يبقي على حد معقول ومقبول من المكاسب الاجتماعية والثقافية والحياتية، فالأمر ليس كله سياسة وسلطة ورئاسة، ولابد من قوى المجتمع من اثبات، وجودها، وتحقيق تفاعلها، وتأثيرها. بالتالي فإنَّ لعنة الاجتثاث، ليس شرطاً، أن تحل في بلاد الأفغان كما حلّت مع الاحتلال الأمريكي في العراق، إذ لا يمكن قياس تجربة طالبان على علاّتها بالمنحدر الذي سقطت فيه الحكومات في بغداد واحزابها ورعاتها. العالم كله كان معترفاً ومسانداً للحكومات التي قامت في العراق، في حين ان العالم لا يفكر بمناقشة خيار الاعتراف بطالبان، وهنا نقطة اختلاف جديدة تضاف ، هي ان الحركة التي اكتسبت خبرة العودة للحكم عبر التفاوض مع المحتل الأمريكي ، سوف تفيد من تلك الخبرة في مفاوضة الدول أو ربما مساومتها من أجل الاعتراف بها رسمياً، وهو اعتراف قريب للتحقق بالمعنى السياسي في افق منظور .