ما أقسى أقدار البلاد
ما أقسى أقدار البلاد _ د. فاتح عبدالسلام
التحالفات المبكرة التي تسبق الانتخابات العراقية ستكون في اوج تقدمها في الأسابيع القليلة المقبلة، في محاولة لتجاوز العقبة المستديمة المسماة الكتلة الأكبر المكلفة تشكيل الحكومة. لكن حسابات البيدر لا تنسجم دائماً مع حسابات الحقل. والتطور الأخطر سيكون في حالة المضي عمليا بانسحاب التيار الصدري صاحب الثقل الكبير في بغداد، لكن هذا الاحتمال الذي يراه كثير من المتابعين حقيقة، ليس له حظ من التحقق في المشهد السياسي العراقي الذي لا يمكن أن يمضي في استمراريته في حال انسحب الصدريون. هناك مسميات قديمة دبت فيها الروح بعد استعادة حركة طالبان الحكم في أفغانستان. والمقارنة هنا ليست بعيدة، في مشهد أفغاني عراقي متزامن ومتشابه في زمن التكوين، يواجه معاً استحقاقات أمريكية إيرانية دائماً. المشكلة المزمنة في العراق، هي انّ هناك استعدادات كبيرة مستمرة لتكرار الأخطاء ، والعيش في وهم البداية الجديدة التي هي مجرد إعادة رتيبة لماضي من الخطوات والمواقف والسياسات المنبوذة من العراقيين. حتى تكون هناك بداية جديدة تحظى بتأييد الشعب، ليس مهما ان يكون الوجه جديداً فقط، وانما السياسات والتوجهات العامة جديدة وانتقالية من وسط البحر المتلاطم الى ضفة آمنة يستشعر العراقيون جميعاً انهم وصلوا اليها من دون ترك قسم منهم تائهاً أو غارقاً أو مغيبا أو صيداً سهلاً لعواصف البحر واهواله وقراصنته، لأي سبب من الأسباب التي اعتاد الجميع على سوقها. في حال وصلنا الى مرحلة الضفة الآمنة، ستكون جميع الدورات الانتخابية اللاحقة بعد ذلك سياحة سياسية وطنية في بلاد حدودها آمنة والعيش فيها كريم وآمن. لم يعد الشعار السياسي الذي يرافق خائضي الانتخابات مجدياً أو مؤثراً لدى الناس الذين كفروا بالعهود التي تولد منكوثة وميتة. ما العمل اذن، إذا كانت البضاعة نفسها يجري تدويرها في السوق السياسي من دون تغيير أو من دون نية على الخروج من مستنقع العقدين الأخيرين؟ الجواب سيكون لدى العراقيين بعد انتهاء الانتخابات وإعلان حكومة جديدة بالرغم من أنّ ذلك سيحدث بعد أن تقع الفاس بالراس. ولعل ذلك قدر وليس خياراً، وما أقسى اقدار العراق.