سعر صرف الدينار يدخل المعترك الانتخابي في العراق
دخل سعر صرف الدينار العراقي في الحملة الانتخابية للعديد من الجهات المشاركة في الاستحقاق البرلماني العراقي، كونه يمس شريحة واسعة من الشعب العراقي التي تضررت بفعل خفض قيمته نهاية العام الماضي.
ويبدو أن افتقاد القوائم المشاركة في الانتخابات ملفات إنجازات تتحدث بها إلى الجمهور، التي تشير التوقعات إلى مقاطعة شريحة واسعة منه الانتخابات، جعلها تقفز إلى مواضيع تدغدغ مشاعر البسطاء وذوي الدخل المحدود، مثل إرجاع سعر صرف الدينار العراقي إلى ما كان عليه قبل نهاية العام الماضي، على الرغم من صعوبة وربما استحالة تحقيق هذا الأمر خلال السنوات القليلة المقبلة.
وأصدر البنك المركزي العراقي في 20 ديسمبر (كانون الأول) 2020، قراراً بخفض قيمة الدينار العراقي أمام الدولار الأميركي تضمن بيعه عبر مراحل، الأولى شراء الدولار من وزارة المالية بـ1450 ديناراً على أن يبيعه البنك المركزي للمصارف بـ1460 ديناراً وبعدها للمواطنين بـ1470 ديناراً.
وكان السعر السابق للدولار يباع من قبل البنك المركزي بسعر 1180 ديناراً، ومن ثم يباع في الأسواق العراقية بسعر يتجاوز 1200 دينار.
واستخدمت القوائم المشاركة في الانتخابات قضية صرف الدينار العراقي في الدعاية الانتخابية بشكل واضح. فزعيم قائمة “الفتح” هادي العامري، أكد في كلمة له خلال مؤتمر الإعلان الانتخابي لتحالفه، سعيه لإعادة صرف الدولار الذي رفعته الحكومة والبنك المركزي، وتوفير فرص العمل.
وتبنى المواقف ذاتها زعيم “ائتلاف دولة القانون” نوري المالكي، ورئيس الوزراء السابق، حيدر العبادي، وحزب “الفضيلة الإسلامية” وبعض الشخصيات المشاركة في الانتخابات.
بيد أن كتلاً سياسية كانت وما زالت تنادي بتغيير سعر الصرف من خلال إرجاعه إلى وضعه السابق، نفت أن يكون الهدف من مطالبها بتغيير سعر الصرف انتخابياً.
فالنائب عن “دولة القانون”، كاطع الركابي، نفى أن تكون مطالبته بتغيير سعر الصرف جزءاً من الشعار الانتخابي، موضحاً أن كتلته طالبت بتغيير سعر الصرف قبل أشهر وفي أثناء التصويت على الموازنة.
ويضيف الركابي “مطالبتنا بتغيير سعر الصرف ليست شعاراً انتخابياً، ونحن طرحنا رأينا وامتنعنا عن التصويت على موازنة 2021 لهذا السبب، وبالتالي رأينا ليس جزءاً من السباق الانتخابي، لأننا لا نجعل المواطن العراقي لعبة بين الأطراف المتنازعة”.
ويشير إلى أنه عند رفع سعر صرف الدولار كان رأي “دولة القانون” أن السعر “لا يتناسب مع المواطن العراقي وهو ضد الفقير والطبقة التي تحت مستوى خط الفقر، ومن واجبنا الإنساني والوطني أن نبقى على هذا الموقف ونعمل على إرجاع السعر السابق”.
قادرون على تغييره
في المقابل، يرى النائب عن تحالف الفتح، محمد البلداوي، أن مطالبة التحالف بتغيير سعر الصرف ليست شعاراً انتخابياً، وسيعمل على تغييره، وأنه كان معارضاً سابقاً لرفع سعر صرف الدولار.
ويضيف البلداوي “أن الكثير من الشركات والمقاولين توقف عملهم نتيجة ارتفاع سعر الصرف، مما أدى إلى خسائر كبيرة، فضلاً عن أن رفع سعر الصرف أضر بالمواطن العراقي البسيط”.
ويوضح “نحن نعمل على تغيير سعر الصرف مستقبلاً، ولدينا رؤية بالموضوع وقدمنا مقترحات إلى الحكومة، والأخيرة لديها رؤية ونحترم جميع الرؤى، إلا أننا نعتقد أنه يجب ألا يتحمل المواطن ضريبة السياسات الخاطئة، وبذلك سنعمل بعد تشكيل الحكومة الجديدة، وسنقدم رؤيتنا لها لتعديل سعر الصرف”.
التخفيض تدريجي في المستقبل
في سياق متصل، يرى عضو لجنة الاقتصاد والاستثمار النيابية، علي اللامي، أن شعار بعض الكتل السياسية بشأن إرجاع سعر الصرف إلى وضعه السابق يدخل في باب الصراع الانتخابي، مرجحاً أن يكون هناك تخفيض مستقبلي تدريجي.
ويضيف اللامي “طرح بعض الكتل السياسية العمل على إرجاع سعر الصرف إلى وضعه السابق يدخل من باب الدعاية الانتخابية، لا سيما أن تلك الأحزاب حاولت خلال أشهر إرجاع سعر الصرف إلى وضعه السابق لكنها لم تستطع، ولذلك لا أتوقع أن يُغير في المرحلة المقبلة”.
وضغطت الكتل على الحكومة وباقي الكتل السياسية لإرجاع سعر صرف الدينار العراقي إلى سابق عهده، قبل أن يُخفض نهاية العام الماضي، مستغلة الارتفاع الذي حصل في أسعار المواد الغذائية لعرقلة إقرار الموازنة وتهديد البنك المركزي العراقي والحكومة.
إلا أن هذه المحاولات فشلت في إجبار البرلمان العراقي والبنك المركزي العراقي على تغيير سعر الصرف الجديد، الذي مُرر في الموازنة العامة للبلاد التي أُقرت في 31 مارس (آذار) من العام الحالي.
ويوضح اللامي أن البرلمان ليس من اختصاصه رفع أو خفض سعر الصرف، لأنه من صلاحية البنك المركزي، وأن البرلمان لا يملك صلاحية اتخاذ هذا القرار، مشيراً إلى أن مجلس النواب كان يرغب في ألا يُرفع سعر الصرف بهذا الحجم، وإنما يكون بالتدريج وأن ترافقه بعض الإجراءات التي تتخذها الحكومة، لا سيما في دعم الطبقات الهشة وذوي الدخل المحدود.
ويرجح عضو لجنة الاقتصاد البرلمانية أن يكون هناك تخفيض في سعر الصرف بشكل تدريجي في حال ازدادت الضغوط على رئيس الوزراء أو على البنك المركزي من قبل الكتل السياسية، على الرغم من أن “المركزي” يؤكد أن الارتفاع له فائدة لاقتصاد البلد.
الحاجة إليه مستمرة
بدوره، يشير المختص بالشأن الاقتصادي، صفوان قصي، إلى وجود حاجة إلى الاستمرار بسعر الصرف الحالي، لتوفير احتياطات جيدة من الدولار في خزينة البنك المركزي.
ويضيف أن “وزارة المالية إذا وجدت هناك فائضاً في الإيرادات بإمكانها أن تدعم الدينار العراقي في عام 2022، وأن يكون الدعم بصورة تدريجية بحيث يكون التخفيض وفق سُلم معين، ولا يكون بانخفاض كبير”، لافتاً إلى أنه بإمكان الحكومة أن تعيد النظر بالرواتب ونفقات الرعاية الاجتماعية بما يخفف الضرر على الطبقات الهشة.
ويتابع قصي أن وزارة المالية هي التي تعلن عن إمكاناتها لدعم الدينار أو تغطية الطبقات الهشة، وهي من يحدد سعر الصرف، وأعضاء البرلمان ليس بيدهم القرار باعتبار أنه إجراء مالي وبالتالي عليهم أن لا يتدخلوا بهذا الأمر، معتبراً أن الهدف من هذه التصريحات هو إعطاء انطباع للناخب العراقي، أنه إذا ما انتُخبوا سيُخفض سعر الصرف.
ويلفت إلى أن تقوية الدينار العراقي من جديد تعني الاستمرار بسحب احتياطي البنك المركزي ما يؤدي إلى ضعف احتياطه، مشيراً إلى أن أي قرار مستقبلي في التخفيض يجب أن يكون وفق سلم تدريجي مدروس من دون إرباك السوق.
ويستبعد أن يُغير سعر صرف الدولار إلى أقل من 1460 ديناراً للدولار الواحد، موضحاً أن قدرة المواطن الشرائية انخفضت ما انعكس على مبيعات البنك المركزي، وهذا ما راهنت عليه الحكومة، أي انخفاض الطلب على العملة الصعبة ما يسهم في تعويض انخفاض الاحتياطي.
ويتابع قصي أن العراق عندما يصل احتياطيه خلال الفترة المقبلة إلى مستوى مطمئن وهو 80 مليار دولار، حينها ممكن أن يكون هناك مساهمة من البنك المركزي وتحويل الاحتياطات إلى مبادرات من خلال مبادرة الإسكان، موكداً أن هذه السياسة النقدية هي التي تصحح ضربة سعر الصرف.
ويبلغ الاحتياطي النقدي للعراق من الدولار نحو 63 مليار دولار بعدما كان نحو 50 مليار دولار في نهاية عام 2020، الذي مثّل أدنى مستوى له منذ عقد من الزمن، إذ انخفض من 90 مليار دولار مطلع عام 2020 بعد سلسلة من القروض الداخلية للحكومة العراقية من البنك المركزي والمصارف الحكومية والأهلية، لتغطية الرواتب والنفقات بعد تراجع أسعار النفط، وهي مخصصة لتأمين استيرادات العراق، وكذلك غطاء للعملة المحلية الصادرة في العام ذاته.
ويقول رئيس مؤسسة مختصة بالدراسات الاقتصادية، منار العبيدي، إن سياسة البنك المركزي المستقلة تجعل من الصعوبة الاستجابة للضغوط السياسية التي تسعى في سبيل تقليل سعر صرف الدولار.
ويضيف “تغيير سعر الصرف بصورة كبيرة سيحدث إرباكاً في السوق العراقية”، مشيراً إلى أن سياسة البنك المركزي مستقلة ولا تتبع الصراعات الانتخابية، وأن كلام الساسة بشأن التخفيض هدفه كسب الناخبين.
ويؤكد أن مجلس النواب ليس من حقه اتخاذ قرار التخفيض، إلا أنه ممكن أن يستجوب محافظ البنك المركزي أو يقيله.
وعن السيطرة على تهريب العملة، يؤكد العبيدي أن الأرقام الحكومية تبين أن هناك تهريباً كبيراً للعملة، والبنك المركزي لم ينجح في الحد منه، وحجم التحويلات المالية يبين أنها تصل إلى حدود 40 مليار دولار، في وقت أن حجم الاستيرادات هو 15 ملياراً، ما يشير إلى وجود فرق بمقدار 25 مليار دولار.
وعلى الرغم من ارتفاع سعر صرف الدولار أمام الدينار، فإن مبيعات البنك المركزي العراقي من الدولار ارتفعت بشهر يوليو (تموز) الماضي بشكل غير متوقع، إذ بيع أكثر من أربعة مليارات دولار وباع البنك في خمس جلسات قبل عطلة العيد وما بعدها نحو 200 مليون دولار في الجلسة الواحدة، في مؤشر إلى عودة الطلب المتزايد على العملة، الذي يفسره البعض بأن غالبيته يمثل جزءاً من تهريب العملة إلى خارج البلاد.
ويعد خفض قيمة العملة العراقية من أهم شروط المؤسسات المالية الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، لدعم العراق عام 2021، فضلاً عن إصلاح نظام البطاقة التموينية ورفع الدعم عن أسعار الوقود وخفض نفقات الحكومة العراقية ومعدل الرواتب العام في البلاد.
وباستثناء خفض قيمة العملة العراقية والبدء بإصلاحات في نظام البطاقة التموينية، فإن بقية الملفات لم يُتحرك بها بسبب الضغوط السياسية الواسعة على الحكومة العراقية لمنعها من تنفيذها، خصوصاً إصلاح قوانين الأجور والرواتب لكونها تمس شرائح انتخابية أساسية لمعظم الجهات السياسية العراقية.