“شيلني وأشيلك” تداهم الاقتصاد العراقي.. هكذا يتم تفقير الشعب وتنهب أمواله
“الفساد.. الآفة التي اكلت خيرات العراق ورمت بشعبه بين انياب الفقر المدقع والبطالة والحاجة والفاقة، التي افرزت بدورها ظواهر لم نكن نعهدها في السابق، مثل الامراض الاجتماعية وارتفاع منسوب الجريمة الى اعلى مستوياتها، وتفشي المخدرات وانهيار المنظومتين التعليمية والصحية وزيادة نسبة الامية وغيرها من الظواهر.
وقد يكون اكبر قطاع نخره الفساد هو القطاع الاقتصادي، الذي لا يعرف بيد من ومن المسؤول عنه، هل الحكومة التي لم تستطع ان تحاسب الفاسدين، ام بيد القوى المتنفذة التي تستحوذ على اكثر المفاصل الاقتصادية المهمة، ام بيد البنك الدولي الذي يفرض على العراق سياسات منها ما يعرف باللغة الاقتصادية “سياسة تفقير الشعب العراقي”.
ومع كل هذه المشاكل التي يصعب حلها يبقى السؤال الذي يفرض نفسه، ويتساءل عنه العراقيون: اين تذهب أموال العراق؟ ومن المسؤول عنها، ولماذا لا تستغل موازنة البلد الانفجارية لتبليط شارع واحد في العاصمة؟
ويجيب السياسي المستقل، زكي الساعدي، عن هذا السؤال، من منطلق تحديد المسؤولية، التي عدها مركبة ومعقدة، وحاجتها الى تقنين السلوك الاقتصادي، لتجنيب البلد من أي انهيار اقتصادي مستقبلي لا سامح الله.
وقال الساعدي في حديث اطلعت عليه (الاولى نيوز )، ان “اقتصادنا يعتمد موازنة بنود وليست برامج، والتي من المفترض ان تختم بكشوفات لتحدد الأموال المصروفة وأين تم صرفها، وهذا غير موجود بالمرة، اذ انه لحد الان لا توجد حسابات ختامية للموازنة او سلف تم تصفيتها، ولا نعرف اين صرفت 122 مليارا التي هي الموازنة السنوية للبلد”.
وأضاف، ان “المسؤولية عن الملف الاقتصادي مركبة، فصندوق النقد الدولي يفرض قيود على العراق ، منها رفع سعر البترول ورفع قيمة الدولار، في مقابل السماح للعراق بالاقتراض منه، وهذه السياسة تسمى بسياسة “تفقير الشعب”.
وشدد على ضرورة “العبور من ميزانية البنود الى ميزانية البرامج التي تحقق مشاريع تنمية مستدامة، وتغذي الميزانية للسنوات المقبلة، والا ان المضي بسياسة تفقير الشعب، ستؤدي الى تفاقم الازمة الاقتصادية، فضلا عن المضي في طريق انهيار اقتصادي، وهذا يمكن ان يحدث في أي إشارة لخفض سعر البترول، التي تعتمد عليه ميزانيتنا الريعية”.
من جهته عبر الخبير الاقتصادي، باسم أنطوان، عن قناعته، بوجود قوة خارجية تتدخل بالملف الاقتصادي، منها اللجان الاقتصادية وممثلو الأحزاب الذين يمارسون الضغوط على الموظفين والدوائر والوزارات.
وقال أنطوان في حديث اطلعت علية(الاولى نيوز )، ان “في هذه الأجواء فان الرأي السليم لا يأخذ موقعه نتيجة التهديد والالتفاف حول القرارات، وهذه عوامل معوقة لمحاربة الفساد والروتين والبيرقراطية”، مشيرا الى ان “الامر وصل الى ضياع الكثير من المعاملات التي فيها مصالح للناس”.
وعدّ، ان “مكافحة الفساد يسير بمتوالية عددية، في حين ان الفساد يسير بمتوالية هندسية، حيث عشعش في دوائر الدولة، لانه يملك أدوات لا تدافع فحسب، انما تهاجم أيضا، وهذا ناتج من التزام القوى والأحزاب بمكامن الفساد والدفاع عنه”.
وكشف عن وجود تسويات بين الكتل على اغلاق فساد كبيرة بثقافة (شيلني واشيلك).
اما الخبير الاقتصادي، ضرغام محمد، فرأى، ان الملف الاقتصادي للبلاد موزع بين الكتل والاحزاب والارادات الخارجية والحكومات المتعاقبة التي كان هامش حركتها محدود.
وقال ان “جميع الحكومات فشلت في الاعمار وفشلت في تنشيط الاستثمار وفشلت في ايقاف نزيف العملة والحد من نفوذ اللجان الاقتصادية للأحزاب”.
وأشار الى، ان “توقيع الاتفاقية الصينية ورفض اتفاقية اكسون موبيل الامريكية اطاحت بحكومة عادل عبد المهدي”، مشيرا الى “اعترافات وزير سابق للصناعة، الذي قال ان “ملف الصناعة معرقل بشكل متعمد، وهذا يكشف عن بعض من عجز الحكومات عن الامساك بالملفات الاقتصادية للدولة”.
المستغرب بالموضوع، ان هناك الكثير من الشخصيات البارزة التي تتبوأ مناصب مهمة في الدولة العراقية، وبدرجة وزير، تم ادانتها بالفساد، وتم الحكم عليهم باحكام (إيقاف التنفيذ) بشكل لا ينسجم مع ملفات الفساد، وهذا ان دل على شيء فانه يدل على الحماية الكبيرة التي يتلقاها الفاسدون في العراق.. حسب مختصين.”