زيارتي للعراق .. ارهاص حسرة وحنين
د. نزار محمود
بعد عامين من انقطاع زيارتي للعراق، اعود اليوم في زيارة حنين وشوق تنتابه الحسرات وتعصف به الآلام…كل شيء في العراق جميل يخدشه قبح!جميلة نخيله وجباله، وديانه وانهاره، شمسه ومطره… وخبراته التي لا طائل لها.. لكنه الالم والتخلف والجوع والفقر الذي يعيشه!نسبح في بحيرات من النفط، وتتباهى بابنائنا وبناتنا، ونهرع الى ظل ملايين الاشجار العطشى، ونجلس تحت مسقفات المصانع المتهالكة. فوضى في فوضى.لم تعد قيم الاخلاق تحكمنا، ولا عرف العشائر الأصيلة تصدنا. فساد وسرقات ونهب وسوء ادارة، وتغالب على ظلم البلاد والعباد.انه ارهاص الحسرة على اعراف ضاعت وسط زحام التدافع الاعمى، وفي ظل تيه البوصلة، وضياع خارطة الطريق فما استدل حائر ولا اهتدى من سعى.انه ارهاص الحنين لوطن كان من ابنائه من حرث وزرع، ومن عمر وبنى، وكتب فنفع، وتكلم فأجاد. إنه حنين الى وطن يزهو بتاريخ وئام وسلام، وطيبة ونخوة، وتدافع الى الفضيلة وعمل الخير.ان الزيارة الى العراق اليوم هي مزيج من مشاعر الشوق والحزن والغضب.شوق الى الأهل والأصدقاء والى كل ما يذكرك بما أحببته وتذكرت فيه طفولتك وشبابك حتى مما لم تكن له سوى قيمة مجردة.وحزن على من مات وهو يبحث عن حياة وسعادة وكرامة، وغضب على من اغتصب السلطة وما هو أهلاً لأمانتها، فخان وسرق ونهب وعبث.غداً نقف أمام الله ومحاكم الضمير عراة لا تستر عوراتنا سوى ما كنا قد قدمناه من أعمال صالحة في علم نافع وحرث بطعم وبناءً يستر.ترى جموع العاطلين عن العمل من شباب خريجين، وآلاف يئنون على أبواب مشافي موبوءة، وتسمع قصص ظلم يشيب منها شعر الصغار، ويتعالى فيها العويل.يحزنك، وأنت الواعي في الاقتصاد، أننا نأكل مما لا نزرع، ونكسر ما لا نستطيع اصلاحه، ونهدر ونرمي بما نحتاجه، ونحرق من الأموال في تخلف وكسل وعجز ومباهاة فارغة ما نحن بأمس الحاجة اليه من أجل مساكن ومدارس ورياض أطفال ومباهج حياة.ان شعب العراق اليوم يعيش زمن الدمعتين:دمعة الأسى على من مات حزيناً، ودمعة الفرح بمن لا يزال يعيش على الأمل بالله.لك الله يا عراق في وعي ما انت عليه، وصحوة ضمير تنفض عنك أتربة السفاهة والظلم الذي تعيشه. لك الله في تذكر كرامة وعدل ونخوة.