كتل تتلاعب بسوق الدولار السوداء وتهريب العملة الأجنبية خارج العراق
من وقت طويل، ابدى جميع الخبراء الاقتصاديين في العراق، ابدوا ملاحظاتهم على طبيعة إدارة الملف الاقتصادي في البلاد، وحذروا من إمكانية انهياره اذا لم تتم ادارته بشكل مقنن، ووضعه بايدي أناس يتمتعون بالخبرة الاقتصادية المحترفة القادرة على تجاوز الازمات متى ما حلت.
وعندما يوجه اليهم السؤال من المسؤول عن سوء الإدارة للملف الاقتصادي العراقي، تأتي الإجابات متفاوتة، لكن اغلبها تتفق على ان نهج الفساد في الدولة العراقية هو السبب الأول لهذا الانحدار، ومنهم من يرى بان الشخصيات القائمة على قيادة الملف غير مؤهلة لقيادته، وقسم يرى ان نهج المحاصصة السياسية هو الذي أدى الى تدهور الملف الاقتصادي، وقربه من الانهيار في أي لحظة.
وهذه التوقعات الاقتصادية المنطلقة من المختصين والخبراء، تحققت بوادرها عندما أعلنت حكومة حيدر العبادي بتبني سياسة التقشف في فترة ولايتها، ولم تتنازل الحكومات المتعاقبة بعده على رفع التقشف رغم ارتفاع أسعار النفط في حينها، لتأتي موازنة 2021، التي تضمنت ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الدينار العراقي، لتكون من اكثر المصاديق على طريقة إدارة الملف الاقتصادي العراقي.
صوت البرلمان العراقي في نهاية اذار الماضي، بالأغلبية على مشروع قانون الموازنة العامة الاتحادية للعراق للسنة المالية 2021، بإجمالي نفقات تبلغ 129 تريليون دينار عراقي 89 مليار دولار ومعدل العجز المخطط يبلغ 28 تريليون دينار عراقي 19.3 مليار دولار، فيما تم تحديد سقف صادرات النفط الخام بمعدل 3 ملايين و250 ألف برميل يوميا بما فيها 250 ألف برميل من حقول إقليم كردستان بسعر 45 دولارا للبرميل الواحد.
ويمثل رفع الدعم الحكومي عن سعر الصرف أحد أكثر قرارات حكومة الكاظمي جرأة والتي أنهت به تقليدا طويلا من دعم سعر الدولار لرفع قيمة العملة العراقية، مما سبب ارتفاعا في الأسعار.
وأصيبت السوق العراقية باضطراب شديد بعد رفع سعر صرف الدولار، واولى بوادر هذا الاضطراب هو الزيادة الملموسة بارتفاع الأسعار، فضلا عن المعاناة التي اصابت الكثير من القطاعات الاقتصادية في هذا السوق.
ومع ارتفاع أسعار النفط، ووصول سعر البرميل الواحد الى 70 دولارا، كان المواطن يأمل ان تعود الحكومة الى خفض سعر صرف الدولار لتخفيف الضغط على كاهله، الا انها أبقت سعر صرف الدولار ثابتا، ولم تغيره.
ورأى الخبير الاقتصادي ضرغام محمد، انه من الوارد ان يرتفع سعر الدولار ويتجاوز الـ 1500 دينار باي لحظة، وان “كل الاحتمالات مفتوحة مادام هناك علاقة بين رئاسة السلطة النقدية ومافيات بيع الدولار التابعة للمصارف العائدة للأحزاب”.
وقال محمد في بيان اطلعت عليه(الاولى نيوز)، ان “تصالح الجهة العليا المعنية بتغطية تعاملات السوق بالدولار مع تجار السوق السوداء للعملة ومحتكريها سيؤدي بالضرورة الى بقاء الوضع دون معالجة، اذ ان الحكومة الحالية بسياساتها المالية التي استباحت اقتصاد العراق من اكثر مفاصله حساسية وزادت نسب الفقر خلال اشهر قليلة الى مستويات غير مسبوقة بدون وازع ضمير سيكتب عليها ان تكون اسوأ حكومة في سجل الاداء الاقتصادي ويتيح ذلك محاكمة شخوصها حال خروجهم من السلطة”.
واشار الى ” تورط الكتل السياسية في البرلمان كونها مالكة لمعظم المصارف التي تساهم بسوق الدولار السوداء لتحقيق مكاسب غير مشروعة عبر خلق سوق سوداء للدولار وتهريب العملة الاجنبية بتواطؤ حكومي ادى الى غياب دور البرلمان الرقابي وتعطيله وكان من بينها منع استجواب محافظ البنك المركزي، مشيرا الى، ان ” ان سكوت السلطتين التنفيذية بشقيها النقدي والمالي والتشريعية بصفتها الرقابية عن مهازل مزاد الدولار يعد تورطا في سوقه السوداء.
وأوضح، ان”اية دولة فيها حكومة تحترم القانون كانت ستحيل محافظ وادارات البنك المركزي المعنية بفساد مزاد العملة الى القضاء والتحقيق مع وزير المالية حول مزاعمه بمعالجة تهريب العملة عبر رفع سعر الصرف”.
من جانبها، عدّت الخبيرة الاقتصادية البارزة، سلام سميسم، ان الملف الاقتصادي وضع بايدي غير مهنية، مما قد يتسبب بتدني مستوى الاقتصاد العراقي، مشيرة ان الحكومة لم ترفع سعر صرف الدولار مقابل الدينار، بل خفضت سعر الدينار مقابل الدولار.
وتساءلت سميسمم في تغريدة لها على “تويتر” : لماذا تسلم مواقع صنع القرار الاقتصادي في العراق الى شخصيات فاشلة مهنيا وعلميا ومتورطة بقضايا اقلها المساءلة والعدالة، مشيرة الى انه “لن تقوم للعراق قائمة واقتصاده يدار من اشخاص غير كفوئين”.
وأشارت الى، ان “البنك الدولي، اكد أنَّ نحو 2.7 الى 5 ملايين عراقي مهددون بالفقر جرَّاء جائحة كورونا وانخفاض سعر برميل النفط، وفيما أكد عزمه تقديم الدعم للعراق لشراء لقاحات اضافية ضد كورونا، أشار الى وجود محفظة بقيمة 1.8 مليار دولار لدعم قطاعات متعددة في العراق”.
في حين فصّل الخبير الاقتصادي، ملاذ الأمين، الوضع الاقتصادي العالمي وتأثيره على العراق، متوقعا استقرار سعر صرف الدولار على ما تم وضعه في موازنة العام الحالي.
وقال الأمين تصريح اطلعت عليه(الاولى نيوز)، ان “الوضع الاقتصادي العالمي يشير الى استقرار الاسواق وتعافيها بعد خفوت الهلع من جائحة كورونا وعودة اسعار النفط الى الارتفاع من جديد نحو مستوى يزيد عن 70 دولار للبرميل بسبب زيادة الطلب المتأتية من عودة تشغيل المعامل المتوقفة، ورغبة الولايات المتحدة الأمريكية من اعادة خزينها النفطي الاستراتيجي”.
وأضاف، ان “سعر صرف الدولار في السوق مستقر حول 1,48- 1،50 ألف دينار ، والحكومة لديها فائض من العملة الصعبة نتيجة زيادة اسعار النفط عما وضعته في الموازنة بمقدار يزيد عن 25 دولار للبرميل وتمكنت من سداد جزء كبير من ديونها وجزء آخر من العجز ، وعليه اتوقع استقرار سعر الصرف إذا استمر استقرار الاوضاع السياسية المحلية وفي المنطقة”.
الى ذلك تحدثت عضو مجلس النواب، عالية نصيف، اليوم السبت، عن غطاء لسرقة المال العام سببه وزارة المالية، فيما حذرت من الإبقاء على القروض الأجنبية المرتبطة بالمشاريع رغم وجود فائض في العائدات.
وقالت نصيف، في بيان تلقته (بغداد اليوم)، إنه “لا يوجد أي مبرر لتوقيع قروض أجنبية لتمويل المشاريع، فالفائض المتحقق من هذه الأشهر الستة الأولى من العام الحالي يمول كل مشاريع القروض (الموجودة في صفحة 4 الفقرة ج في الموازنة) والبالغة 3.1 مليار دولار “، مشيرة الى ان “المشاريع التي تتم بالإحالة المباشرة وبدون إجراء مناقصات للبحث عن الجودة وبأفضل الأسعار هي مشاريع فساد علنية مُقننة في الموازنة”.
وأضافت، أن “إبقاء القروض الأجنبية والمرتبطة بالمشاريع هو غطاء للسرقة والرشاوى”، مبينة أن “مليار دولار من الـ3.1 هو فساد في المالية في الأسعار لتمويل الرشاوي بمئات ملايين الدولارات وبالذات في قطاعي النفط والكهرباء”.
وتابعت: “سبق وقلناها ونكررها اليوم، من يشجع على إبقاء هذه القروض هو شريك في الفساد بشكل مباشر أو غير مباشر، وبالتالي يجب إلغاؤها وقطع الطريق على الفاسدين”.