اطباء العراق بلا منقذ بعد تصاعد عمليات الاغتيال
لا يختلف اثنان على كفاءة العاملين العراقيين في القطاع الصحي، سواء أكانوا أطباء أم من بقية المنتسبين من أصحاب المهن الصحية، فرغم التدهور الذي أصاب هذا القطاع ومؤسساته بعد عام 2003، بسبب الكثير من العوامل، المختصة بطبيعة إدارة هذا القطاع، او المختصة بعمليات الفساد الذي ضرب اطناب هذه المؤسسة لفترات متفاوتة وربما مستمرة، الا ان الطبيب العراقي لا زال يعمل بهذه الأجواء.
وما يؤسف له في هذا القطاع، انه بالرغم من وجود عقول طبية عراقية تفوق بكفاءتها العقول الأجنبية في جميع انحاء العالم، بالمقابل فان المؤسسات الصحية في العراق فاقدة حتى للإمكانيات البسيطة ومنها الدواء الذي يضطر المواطن بشرائه من الأسواق بدلا من ان توفره المستشفيات بصورة مجانية كما تعود العراق منذ تأسيسه كدولة باتخاذ شعار مجانية الصحية.
ربما ان قلة الإمكانيات دفعت قسم من الأطباء العراقيين الى الهجرة، بعد ان وصلوا الى قناعة بانهم لا يستطيعون تقديم شيء في هذه الظروف الذي تعيشه هذه المؤسسات، في حين استمر ما تبقى منهم العمل في المؤسسات بكل جد وإخلاص، رغم ما يتعرضون له من ضغط وربما إهانة واعتداءات بالضرب في كثير من الأحيان من قبل أصحاب العقول الجاهلة التي لا تقدر دورهم الانساني.
لكن افظع ما يتعرض له الأطباء، هو عمليات الاغتيالات التي تجري بين الفينة والأخرى، والتي تستهدف كفاءات علمية في مجال عملها بشكل مؤسف، حيث ان هذه الاستهدافان تندرج في نطاق افراغ البلد من العقول التي تنهض بالبلد وتخرج أجيال طبية تبقي اسم الطبيب العراقي في مقدمة أطباء دول العالم.
ومن ضمن هذه الاستهدافات التي هزت الشارع العراقي، هو اغتيال احد الأطباء في بغداد بطريقة غريبة وبشعة لا تمت للإنسانية باي صلة.
ومصدر الغرابة، ان الطبيب الشاب المستهدف (يوسف سنان)، صاحب الـ 27 عاما، نقل الى المستشفى، بدعوى انه اقدم، اليوم الثلاثاء، على محاولة ذبح رقبته بالة حادة، بسبب ازمة نفسية المت به.
وقال مصدر امني ، ان “الشاب يعمل طبيبا عاما في مستشفى الكندي، حيث قام بشج رقبته داخل منزله الواقع في منطقة ضمن منطقة البنوك شرقي بغداد”.
وأضاف، ان “الحادث أدى الى اصابته بجرح في الرقبة، نقل على اثرها الى مستشفى مدينة الطب”.
لكن بعد ساعات من انتشار هذا الخبر، تبين بان الطبيب لم يذبح نفسه، انما تم اغتياله بطريقة في غاية البشاعة، بقيام مجهولين بطعنه طعنتين في في الصدر وأخرى في الرقبة لتؤدي الى قطع وريد رقبته ، وانه لم يعاني من اي حالة نفسية وبكامل قواه العقلية، كما اشيع في بادئ الامر.
وقالت المصادر الخاصة لـ (بغداد اليوم)، ان “الطبيب سنان، كان يعمل في مستشفى الجملة العصبية قبل ان ينقل الى مستشفى الكندي”.
وقد أصدرت دائرة صحة بغداد الرصافة، برقية نعي على خلفيته اغتيال سنان، قائلة، انه “ببالغ الحزن والاسى تنعى دائرة صحة بغداد الرصافة الدكتور المقيم الدوري في مستشفى الكندي يوسف سنان، نسأل الله أن يتغمده برحمته الواسعة ويسكنه فسيح جناته”.
وأوضحت الدائرة في برقية نعيها لسنان، ان “الطبيب اغتيل في منزله وليس في المستشفى كما تروج بعض الجهات والمواقع الخبرية”.
وتمثل هذه الحادثة، حالة غريبة تستوجب على قادة المؤسسة الصحية في العراق وكذلك بالتعاون مع القوات الأمنية، ان تجد حلولا لحماية الأطباء من موجة الاغتيالات التي تطالهم، وان تقوم المؤسسة التشريعية العراقية المتمثلة بمجلس النواب العراقي، بتشريع القوانين التي تضمن حصانتهم وحمايتهم من أي اعتداءات محتملة مقبلة.
وهذا ما تمناه الطبيب الاقدم (ر . م)، الذي عبر في تصريح عن خشيته من ان تشهد الفترة المقبلة عمليات منظمة للأطباء في داخل العراق.
وأضاف، ان “الطبيب العراقي يعيش في أجواء صعبة جدا بسبب تراجع المؤسسة الصحية، وكذلك الضغط الكبير الذي يشكله بعض المواطنين الذين لا يقدرون طبيعة العمل الطبي وصعوبته ومسؤوليته على الطبيب”.
وتابع، ان “الطبيب العراقي يعمل ليل ونهار، وخاصة مع اجتياح جائحة كورونا للبلاد، وقد قام بواجبه على اكمل وجه، لكن رغم كل هذا فانه يتعرض للاعتداءات من قبل البعض”.
وطالب الحكومة العراقي المتمثلة برئيسها مصطفى الكاظمي، وبوزير الصحة، ان ” يكثفا اتصالاتهما بالجهة التشريعية في البلد، لإيجاد الحلول لهذه الاستهدافات التي تطال الطبيب العراقي، والتي لا تنسجم مع دوره الإنساني الكبير، ومكانته في المجتمع”.
وعملية الاغتيال هذه هي ليست الأولى، فهناك الكثير من الأطباء تعرضوا لعمليات اغتيال، منها في نيسان من العام 2017، بقيام مسلحين مجهولين بطعن الطبيبة العراقية شذى فالح السامرائي بعد اقتحام منزلها، حيث قاموا بسرقة محتويات منزلها الواقع في حي الإسكان قبل أن يلوذوا بالفرار.
وتأتي الحادثة بعد يومين فقط من اغتيال الطبيب سليم عبد الحمزة طعنا بالسكاكين، حيث قالت نقابة الأطباء العراقية وذوو الضحية في حينه ، إن “مسلحين اقتحموا عيادته في حي المعامل بأطراف بغداد، ووجهوا له طعنات في الصدر والقلب، ثم نُقل للمستشفى وتوفي فيه”.
والامر لا يقف عند هذا الحد، فهناك أطباء أيضا تعرضوا للاعتقال بسبب إعطاء رأيهم بلقاحات فيروس كورونا، مثل الطبيب حامد اللامي، الذي يعمل كجراح .
وراجت فيديوهاته التي ينشرها بشأن فيروس كورونا، بين العراقيين بشكل كبير وأثارت دائما موجة من الجدل المستمر قبل أن ينتهي الأمر باعتقال الجراح الخمسيني بعد حذف اسمه من سجلات نقابة الأطباء العراقيين.
وقال نقيب الأطباء العراقيين الدكتور، جاسم العزاوي، في حينها، إن هناك قضيتين مرفوعتين أمام المحاكم ضد اللامي وإنه “جرى اعتقاله” وسيمثل أمام المحاكم بعد أن طالبت وزارة الصحة بـ”تحريك القضية”.
وسيحاكم اللامي، بحسب نقيب الأطباء، وفق مادة في قانون العقوبات العراقي تحاسب من يقوم بـ”نشر مرض خطير” في البلاد أو يساعد على نشره.
ان حادثة الطبيب الشاب سنان، تحتم على القوات الأمنية وكذلك مجلس النواب بالتحرك سريعا، بالاتصال مع نقابة الأطباء وكذلك بوزير الصحة لوضع الحلول الناجعة لمنع استهداف الأطباء بهذه الصورة البشعة.