“إحتفال بهيج بالموت”
هادي جلو مرعي
وقفوا جميعا على مدرج نصب خصيصا للمناسبة في الحديقة المتواضعة التي تشغل مساحة جيدة من كليتهم التي تحتوي على أقسام علمية عدة ،وكانوا ينتظرون مجئ المصور الذي يحترف مهنته ،ويقدم لهم الصور لقاء مبالغ نقدية لاتكلفهم شيئا مقارنة بالمشاعر التي تختلط في أنفسهم فتلك هي اللحظات الأخيرة من حياتهم ،يودعون بعضهم البعض فيها ،وتقبل البنات الواحدة الأخرى، وكذلك يفعل الشبان. بينما ينظر الذكور في وجوه الإناث وليس لهم سوى أن يبتسموا متمنين لبعضهم البعض الحياة السعيدة والتفوق والنجاح في العمل الوظيفي هذا إن وجد في زاوية مظلمة من زوايا البطالة،كان ذلك في الأعوام التي لم يعرف طلبة الجامعات فيها الهواتف النقالة والفيس بوك ووسائل الإتصال الأخرى فربما ينقطع الأمل لديهم في التواجد مع بعض مرة أخرى ،وربما حتى نهاية العمر ،بينما حظي الجيل الجديد بتلك الفرصة وبرغم الفراق الصعب الذي سيطبع حياة طلبة الجامعة بعد التخرج فإنهم يستطيعون التواصل من خلال التقنيات الألكترونية الحديثة التي تسهل عملية الوصول الى بعض.في السنوات الماضية لم يكن ذلك متاحا ،وكانت الذكريات والصدفة في لقاء عابر هي الفرصة الوحيدة التي قد تتاح لهم لإعادة اللحمة والمودة المنسية بينما يستطيع أي طالب من الجيل الحالي أن يواعد صديقته أو صديقه في مكان ما في اليوم التالي للتخرج حتى وإن صعب عليه أن يلتقي الجميع فمنهم من يسكن مدينة بعيدة ومنهم من سينتظم في عمل تجاري أو وظيفي لايوفر له الوقت ليلتقي بالجميع بإستثناء الأصدقاء الذين تربطه بهم مودة خاصة، أو علاقة حميمة لاتكون لدى الجميع إلا في النادر ،وعلى أية حال فالخريجون الجدد عليهم أن يتذكروا إن أهم مافقدوه ولن يتكرر لهم ثانية هو الجو الجميل والألفة التي لن تعود أبدا في الكلية أو المعهد حين يتوزعون في الأنحاء ،ولايكون بمقدورهم سوى التلاق في أجواء أخرى، وليس كلهم كما كانوا في النادي، أو القسم أو الحديقة ،أو في مكان عام ،أو في سفرة جماعية وستتحول تلك العلاقة الحميمية الى مجرد ذكرى تذوي مع مرور الوقت، ويكون أثرها مؤلما في الذات فأجمل أيام العمر هي أيام الكلية ،وليس من السهل أن تجد أياما أحلى وألذ منها مهما جهدت في ذلك بل إن طالب الجامعة هو الوحيد الذي يشعر بها.في آخر أيام الموسم الدراسي الرابع يجتمع الطلاب فرحين جذلين مهووسين بمايفعلون، وهم يرتدون ثيابا غير مألوفة ،ينسقون لإقامة حفل في مكان ما ،يلتقطون فيه الصور، ويلعبون، يغنون كأنهم الطيور وهي تلاق الذبح، ويجهلون ماينتظرهم من أيام صعبة ،وتحديات جسيمة في الحياة، وفي زحمة البحث عن فرصة مواتية للعمل والتوظيف، وبناء أسرة، والتواصل مع مجتمع جديد لايوجد فيه زملاء الجامعة ،ولاحدائق الكلية ،ولاوجوه البنات، ولا تلك اللحظات الحميمية.ولاالصباحات النيسانية حين يقدح المشمش في البساتين.كلما رغبت أن تبكي تذكرت أيام الكلية ..كم أتعاطف معها بالفعل.