متى ينتهي جدل فرض ضريبة على موظفي الدولة؟
حيدر وهاب عبود
مقدّمةأثار كتاب وزارة المالية ذي العدد ( 880 ) في 13 / 4 / 2021 والموجه إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء لغطا واسعا في أوساط الرأي العام العراقي لاحتوائه على طلبات متعددة تخص اخضاع منتسبي دوائر الدولة لضريبة الدخل المفروضة بالقانون النافذ المعدل رقم ( 113 ) لسنة 1982وقد عبرت الغالبية العظمى من الموظفين عن استيائهم وتذمرهم من سعي الوزارة المذكورة لتوسيع نطاق خضوعهم للضريبة من خلال أدخال مستحقات مالية أخرى إلى جانب الراتب الأسمي للوعاء الضريبي . ومن أجل قراءة موضوع الخضوع المذكور قراءة قانونية نجد لزاما أن نقف على المسائل التالية :أولا – موقف قانون ضريبة الدخل العراقي النافذ من خضوع الموظف للضريبةكان المشرع العراقي في قانون ضريبة الدخل النافذ يقصر فرض الضريبة على الرواتب ورواتب التقاعد والمكافآت والأجور المقررة للعمل بمقدار معين لمدة محدودة والمخصصات والتخصيصات للعاملين في القطاع الخاص بما في ذلك المبالغ النقدية أو المقدرة مما يخصص للمكلف مقابل خدماته مثل السكن والطعام والإقامة أو الرواتب وغيرها اما الموظفون في دوائر الدولة والقطاع العام والقطاع المختلط فقد استثناهم المشرع من الخضوع لضريبة الدخل . وهذا يعني أن المشرع كان يفرق في المعاملة الضريبية بين العاملين في القطاع العام والعاملين في القطاع الخاص ويزود الفئة الأولى بميزة عدم الخضوع لضريبة الدخل دون الفئة الثانية ، ونظرا لأن المعاملة المذكورة كانت مخالفة لمبدأ المساواة أمام الضريبة فإن سلطة الائتلاف المؤقتة ( المنحلة ) أصدرت أمرها رقم ( 49 ) لسنة 2004 الذي تضمن تعديلا لحكم الفقرة الخامسة من المادة ( الثانية ) من قانون ضريبة الدخل وقررت بموجبه شمول موظفي دوائر الدولة والقطاع العام والمختلط بالخضوع لضريبة الدخل مثلهم في ذلك مثل العاملين في القطاع الخاص تحقيقا لمبدأ العمومية الذي يقتضي أن تشارك جميع قطاعات المجتمع العراقي في تحمل عبء الضريبة .ومعنى ما تقدم أن السند القانوني لفرض ضريبة الدخل على موظفي دوائر الدولة هو الفقرة الخامسة من المادة الثانية من القانون رقم 113 لسنة 1982 .ثانيا : موقف رئيس مجلس الوزراء من خضوع الموظف للضريبة1 – صدر كتاب من الأمانة العامة لمجلس الوزراء بالعدد / ق / 2 / 1 / 21 / 7749 في 13 / 4 / 2008 وأشار إلى توجيه رئيس مجلس الوزراء في حينها على اعفاء موظفي الدولة من الضرائب المفروضة على المخصصات اعتبارا من تأريخ 1 / 6 / 2008 على أن يثبت ذلك في مشروع الموازنة التكميلية . وقد تم العمل بموجب التوجيه أعلاه من قبل دوائر الدولة المختلفة .إن التوجيه أعلاه مخالف لمبدأ قانونية الضريبة ولا يتفق مع احكام الفقرة ( أولا ) من المادة ( 28 ) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005 التي نصت صراحة بأن ( لا تفرض الضرائب والرسوم ولا تعدل ولا تجبى ولا يعفى منها إلا بقانون ). عليه فإن قرار مجلس الوزراء يعد معدوما لو وزناه بميزانية المشروعية لأنه معيب بعيب عدم الاختصاص الجسيم ويمثلا اغتصابا لسلطة المشرع الاعتيادي الذي ناط به الدستور اختصاصات حصرية لا تقبل المشاركة فيها من قبل أي جهة أخرى من بينها صلاحية الاعفاء الضريبي . ومن جهة أخرى فإن النشر الموعود في قانون الموازنة التكميلية لم يتحقق فقد صدرت الموازنة المذكورة في الجريدة الرسمية الوقائع العراقية بالعدد ( 4086 ) في 15 / 9 / 2008 وقد جاءت خلوا من النص على الاعفاء .علما أن توجيه رئيس مجلس الوزراء بمعالجة موضوع الاعفاء الضريبي في قانون الموازنة التكميلية لا يتفق مع السياسية التشريعية السليمة لأن موضوع الاعفاء يتطلب أن ينظم بموجب أحكام قانونية دائمة وثابتة نسبيا . أما قانون الموازنة التكميلية فعمره الزمني قصير لا يتجاوز بضعة أشهر من السنة المالية .يُزاد على ما تقدم أن اعفاء الموظفين وحدهم من إخضاع مخصصاتهم لضريبة الدخل دون العاملين في القطاع الخاص يعد مخالفة لمبدأ المساواة أمام الضريبة لأن العاملين سواء أكانوا في القطاع العام أو القطاع الخاص يستمدون دخلهم من واقعة واحدة منشئة للضريبة هي الإيراد المتأتي من كسب العمل . ومن ثم فلا يوجد مبرر موضوعي يسوغ التفرقة بينهم . 2 – صدر قرار مجلس الوزراء المرقم ( 156 ) في 7 / 6 / 2016 بالموافقة على اخضاع الرواتب والأجور والمخصصات والمكافآت كافة إلى الضريبة بطريقة الاستقطاع المباشر باستثناء مخصصات الزوجية والأطفال وأستثنى منتسبي القوات المسلحة من غير المدنيين التابعين لوزارتي الدفاع والداخلية .اسعار البترولإن قرار مجلس الوزراء صدر أثناء الأزمة المالية التي تمثلت بهبوط أسعار البترول ومتطلبات الحرب على تنظيم داعش الارهابي لكن القرار وإن كان يمثل عودة للعمل بأحكام الفقرة الخامسة من المادة الثانية المعدلة من قانون ضريبة الدخل النافذ إلا أنه جانب الصواب في موطنين : الأول :عندما أعفى مخصصات الزوجية والأطفال من الخضوع لضريبة الدخل مع أن نص الفقرة الخامسة المشار إليها جاء مطلقا في اخضاع المخصصات كافة لضريبة الدخل من دون التفرقة بين مخصصات أو أخرى . والثاني : عندما استثنى القرار منتسبي القوات المسلحة من التوسعة في فرض الضريبة وقصر تلك التوسعة على المدنيين وحدهم .وفي هذا مخالفة واضحة لأحكام الدستور النافذ التي لم تخول الإدارة صلاحية اعفاء فئة من المكلفين على حساب فئة أخرى فذلك من اختصاص السلطة التشريعية وحدها .3 – عاد مجلس الوزراء القهقرى وأوقف العمل بموجب كتاب الأمانة العامة عدد ( 1478 ) في 23 / 10 / 2016 بقراره المرقم ( 156 ) في 7 / 6 / 2016 .ثالثا : موقف وزارة المالية من خضوع الموظف للضريبةحاولت وزارة المالية معالجة مشكلة خضوع موظفي دوائر الدولة والقطاع العام لضريبة الدخل عندما فاتحت مجلس الوزراء بموجب كتابها عدد880 الآنف الذكر وطلبت أن تستقطع الضريبة المتحققة على اجمالي الدخل الشهري ( الراتب الأسمي والمخصصات والحوافز والأرباح الشهرية والسنوية والمكافآت والايفاد وغيرها من أشكال الدخل كافة) اعتبارا من شهر نيسان وأن يقسط مبلغ الضريبة المتحقق للأشهر ( كانون الثاني ، شباط ، آذار ) من سنة 2021 وتستوفي خلال السنة ذاتها . وقد استندت الوزارة في موقفها على التعليمات المالية رقم (1) لسنة 2007 التي اشارت إلى اخضاع منتسبي دوائر الدولة إلى الضريبة بطريقة الاستقطاع المباشر .ويلاحظ على كتاب الوزارة ما يلي :1 – إن فرض ضريبة الدخل على الراتب الكلي يتفق وأحكام المادة ( الثانية / 5 ) من قانون ضريبة الدخل النافذ وكان الأوفق أن تستند الوزارة إلى المادة أعلاه بدلا من تعليمات الاستقطاع المباشر على اعتبار أن مصدر الالتزام بالضرائب القانون وليس القرارات الإدارية .2 – إعمال الضرائب بأثر رجعي لا يتفق وأحكام الفقرة ( تاسعا ) من المادة ( 19 ) من دستور 2005 التي نصت بأن ( ليس للقوانين أثر رجعي ما لم ينص على خلاف ذلك ولا يشمل هذا الاستثناء قوانين الضرائب والرسوم ) . فإذا كان سريان القانون الضريبي على الماضي محظورا على المشرع الاعتيادي فهذا الحظر يسري من باب أولى على الإدارة ، لأن دورها لا يعدوا أن يكون تنفيذا للقانون الضريبي .كما أن الأثر الرجعي لضريبة الدخل يتنافى ومتطلبات الأمن القانوني للمكلف الضريبي لأنه يخالف توقعه المشروع ويفرض الضريبة بطريقة المباغتة والمفاجأة بدون أن يحسب لها المكلف أي حساب أو توقع.3 – حاولت وزارة المالية تبرير موقفها من خلال الاستعانة بالفقرة ( ج ) من المادة ( 34 ) من قانون الموازنة العامة لسنة 2021 المنشورة في الوقائع العراقية عدد ( 4625 ) في 12 / 4 / 2012 التي ألغت (جميع الاعفاءات والاستثناءات الكمركية والضريبية الممنوحة بقرار من مجلس الوزراء ما لم تنص عليه القوانين النافذة ) وكان الأصوب الاستناد إلى نص المادة ( الثانية / 5 ) من قانون ضريبة الدخل النافذ بدلا من الاتكاء على قانون الموازنة العامة لأن القانون الموازناتي قانون مستقل عن قانون ضريبة الدخل ، ولأن المسألة المطروحة مدار البحث هي مسألة ضريبية بحتة وأن ميدانها الطبيعي هو قانون ضريبة الدخل ، وكذلك لأن النص الوارد في قانون الموازنة معيب لأنه وحسب مفهوم المخالفة أجاز استمرار الاعفاءات الممنوحة بقرار مجلس الوزراء إذا نصت عليها القوانين النافذة . وهذا الاستمرار لم يعد جائزا منذ صدور دستور 2005 الذي أوجب منح الاعفاءات بقانون وليس بناء على قانون .4 – إذا كان كتاب وزارة المالية الأخير ويتفق وصحيح أحكام قانون ضريبة الدخل النافذ إلا أنه يتعارض مع متطلبات العدالة الضريبية لأنه يزيد من الأعباء المالية للموظفين والعاملين في القطاعين العام والمختلط وهي أعباء مزدوجة بعد تغير سعر الصرف الأجنبي وخفض قيمة الدينار العراقي أمام الدولار الأمريكي . وكان بإمكان وزارة المالية أن تخفف من العبء الضريبي من خلال مخاطبة مجلس الوزراء بالكتاب ذاته الذي اقترحت فيه توسيع نطاق فرض الضريبة لتقترح بالمقابل كذلك زيادة مبالغ السماحات الواردة في المادة (12) من قانون ضريبة الدخل سيما أن تلك المبالغ بقيت على حالها منذ التعديل الأخير الوارد في أمر سلطة الائتلاف المؤقتة المحتلة ( المنحلة ) سنة 2004 ومرور ما يقارب (17) سنة عليها وارتفاع الأسعار طيلة السنوات الماضية أسهم بالتأكيد في فقدان السماحات لقيمتها الحقيقية وعدم مواكبة السماحات لتغير الأسعار يمس الحد الأدنى لمعيشة المكلف بالضريبة وعائلته وهو ما يتعارض مع أحكام الفقرة ( ثانيا ) من المادة ( 28 ) من دستور 2005 التي نصت بأن : ( يعفى أصحاب الدخول المنخفضة من الضرائب بما يكفل عدم المساس بالحد الأدنى اللازم للمعيشة . وينظم ذلك بقانون) .خاتمةباءت محاولة وزارة المالية بمد ضريبة الدخل على كامل مستحقات الموظف المالية بالفشل بعدما أعلن رئيس مجلس الوزراء رفضه لذلك المسعى بموجب كتاب أمانة مجلس الوزراء عدد / ق / 2 / 5 / 09918 في 19 / 4 / 2021 . ويعد ذلك تعطيلا لحكم الفقرة ( 5 ) من المادة (الثانية) من قانون ضريبة الدخل رقم 113 لسنة 1982 التي نصت صراحة على فرض ضريبة الدخل على مستحقات الموظف المالية جميعها . لكن هذا التعطيل فرضته ضرورات اجتماعية ومتطلبات معيشية وضغوطات الحاجات اليومية التي بات الموظف يشعر بوطأتها ازاء صعف الخدمات العامة المقدمة من الدولة مثل الخدمات الصحية والتعليمية والسكنية وأن الراتب الذي يحصل عليه الموظف مقابل عمله الوظيفي لا يحقق له الرفاهية المنشودة التي رسمها له دستور جمهورية العراق النافذ بعد أن ألزم الدولة بكفالة الضمان الاجتماعي والرعاية الصحية والمقومات الأساسية للعيش في حياة حرة كريمة تؤمن للمواطنين الدخل المناسب والسكن الملائم وتدرأ عنهم مخاطر الجهل والخوف والفاقة . وفي ظل هذه الأوضاع القاتمة القائمة لم تعد غالبية المكلفين بضريبة الدخل تؤمن بان الضريبة واجب وطني واخلاقي لأن الضريبة المدفوعة لا يقابلها تحسن وتطور في الخدمات العامة مثلما هو مفترض بل هي مجرد وسيلة لتغطية النقص الحاصل في الخزينة العامة بسبب انتشار الفساد المالي والإداري وعجز الدولة عن استرداد أموالها من المختلسين والسارقين . عليه فإن الكثير من أحكام النصوص الواردة في قانون ضريبة الدخل ومنها الحكم الوارد في الفقرة الخامسة من المادة الثانية من قانون ضريبة الدخل الذي يفرض ضريبة الدخل على الرواتب والأجور والمخصصات والتخصيصات والمكافآت بأجمعها باتت أحكاما ميتة لا تقوى على التطبيق في أرض الواقع لتصدي الرأي العام لها وعدم اقتناعه والرضا بها مما يحتم من المشرع أن يعيد النظر في تلك النصوص المنفصمة عن الواقع بأسرع وقت ممكن وأن يضع أحكاما أخرى تتلائم مع الواقع الجديد الذي يعيشه المواطن العراقي وأن يدرك المشرع أن تعظيم الايرادات لا يتحقق فقط بجمع أكبر حصيلة من الضرائب دون مراعاة مبادئ العدالة الضريبية بل يمكن أن تتحقق الوفورات المالية من خلال ترشيد النفقات العامة والابتعاد عن مظاهر الاسراف والتبذير وتشديد الرقابة المالية مع وضع الحسابات الختامية التي توضح حقيقة إيرادات الدولة وأين تذهب ؟ ولمن تصرف ؟ فبتلك الإجراءات يكتسب المشرع والإدارة المالية ثقة المكلف بالضريبة وطاعته ، وقديما قيل : ( إذا أردت أن تُطاع فأمر بما هو مستطاع ) .