مقالات

المواطنة ذلك الحلم البعيد؟

محمد عبد الجبار الشبوط

المواطنة هي الاساس الاول في بناء الدولة الحضارية الحديثة حيث لا يمكن اعتبارها كذلك بدونها.وفي سعينا لبناء دولة حضارية حديثة في العراق فاننا بحاجة الى بناء المواطنة من الاساس.لكن السياسات التي اتبعها النظام القمعي الشوفيني الدكتاتوري، واخطاء التأسيس التي ارتكبتها الطبقة السياسية بعد سقوط النظام في عام ٢٠٠٣، والموروثات الاجتماعية القديمة، عوامل ادت الى تراجع مفهوم المواطنة درجات كبيرة حتى يكاد يختفي من التداول اليومي.ويرى بعض الباحثين ان ذلك مشكلة قديمة يعود تاريخها الى بداية قيام الدولة العراقية في مطلع القرن العشرين، وينسبون الى الملك فيصل الاول كلاما بهذا المعنى يقول فيه:”أقول وقلبي ملآن أسىً… إنه في اعتقادي لا يوجد في العراق شعب عراقي بعد، بل توجد تكتلات بشرية خيالية، خالية من أي فكرة وطنية، متشبعة بتقاليد وأباطيل دينية، لا تجمع بينهم جامعة، سمّاعون للسوء ميالون للفوضى، مستعدون دائماً للانتفاض على أي حكومة كانت، فنحن نريد والحالة هذه أن نشكل شعبا نهذبه وندرّبه ونعلمه، ومن يعلم صعوبة تشكيل وتكوين شعب في مثل هذه الظروف يجب أن يعلم أيضا عظم الجهود التي يجب صرفها لاتمام هذا التكوين وهذا التشكيل.. هذا هو الشعب الذي اخذت مهمة تكوينه على عاتقي”. وسواء صحت نسبة هذا القول الى الملك فيصل الاول ام لا، وسواء جرحت هذه المقولة مشاعر العراقيين الوطنيين ام لا، فاننا نلمس صدقها الان اكثر من اي وقت مضى. فعلى المستوى السياسي، على الاقل، وبدون الذهاب الى المستويات الاخرى، يؤلمنا ان نقول ان الوطنية العراقية الجامعة قد تحللت الى انتماءات مكوناتية (عرقية وطائفية) وحزبية لا يجمعها سوى التواجد معا في مؤسسات الدولة العليا (البرلمان والحكومة). وتحت هذه المؤسسات انقسم العراقيون الى مكونات فرعية عربية وكردية وتركمانية، وشيعية وسنية، ثم تجسد هذا الانقسام على بنية الاحزاب السياسية، حيث صار لكل مكون احزابه السياسية (المتصارعة بدورها)، ونادرا ما نجد حزبا سياسيا عابرا للمكونات من حيث العضوية او التحالفات السياسية. واما الناخبون العراقيون، وهم يمثلون بقية الجسم السياسي في المجتمع العراقي، فقد انقسموا هم ايضا على اساس المكونات، فلا نجد ناخبا عربيا يصوت لمرشح كردي وبالعكس، ولا نجد ناخبا سنيا يصوت لمرشح شيعي وبالعكس. وهذا يؤكد صحة وصدقية مقولة الملك فيصل الاول بعدم وجود “شعب عراقي” وانما “تكتلات بشرية”، وهو لا يقصد عدم وجود بشر يحملون جنسية واحدة هي الجنسية العراقية، وانما يقصد عدم وجود الرابطة الوطنية التي تجمع هؤلاء وتوحدهم في مختلف المجالات. الوطنية تنشأ من الشعور بالانتماء الى ارض مشتركة هي الوطن، والوطن هو العراق بحدوده الدولية المعروفة. لكن الكردي العراقي ينتسب اليوم الى كردستان، والشيعي العراقي الى الوسط والجنوب، والسني العراقي الى الغربية. وهذا خلل حاد وكبير في المركب الحضاري للمجتمع العراقي. وبمثل هذه الانتماءات الفرعية وهذا الخلل الحضاري لا يمكن بناء وطن واحد، او دولة حضارية حديثة.هذه هي المشكلة العويصة التي تواجه العراق الان. وبعد تشخيص المشكلة يأتي الدور للتفكير بحلها ومعالجتها. وهو موضوع تتناوله الدراسات الاجتماعية والسياسية تحت عنوان “الاندماج المجتمعي”. والاندماج شعوري ومادي في نفس الوقت. والعلاج ليس سهلا، لان الوطنيات تتشكل عبر صيرورة وسيرورة تاريخيتين، لكن ذلك لا يمنع التفكير بالحل، ولا يمنع محاولة اخذ العلاج وتطبيق الحل. وفي مفردات الحل فان المدارس، والجامعات، والمساجد، والكنائس، ووسائل الاعلام، يمكن ان تؤدي دورا مهما في خلق وتعميق الشعور الوطني، ثم تأتي المشاريع الاقتصادية المشتركة، والزيجات المشتركة، والعيش المشترك، لتؤدي دورا كبيرا في ذلك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى