سن الرشد السياسي للعراق
د. فاتح عبدالسلام
العراق في نسخته السياسية الجديدة بلغ الثامنة عشرة من عمره، وأبناؤه أصبحوا في سن الرشد، وهم الذين كانت اعمارهم يوماً واحداً حين داس أرض بغداد المحتل الامريكي بتصفيق سياسي عارم من القيادات الحالية للمشهد المتداول في البلد، لكن هل بلغ الوضع العام سن الرشد السياسي؟ وما هي المدة الزمنية لتحديد تلك السن؟ هل يمكن أن تكون أقل من ١٨ سنة أم اكثر من ذلك ؟ لعل السؤال المستحق حقاً من دون مواربة هو :متى يمكن أن يبلغ السياسيون سن الرشد لتكون افعالهم تناسب المرحلة الاولى من الوعي ولا أقول النضوج.؟هنا، لا أفترض افتراضات حول عدم بلوغ سن الرشد السياسي، وانّما أعاين معطيات الوضع العراقي في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والصحية والانتاجية والتنموية، لكي نحصل على نتيجة يعرفها العراقيون جميعاً تخص التردي العام الذي لم تتم معالجته بسياسات مخطط لها، وأقصى ماجرى هو عمليات تصريف أمور، أسبغ بعضهم عليها اجتهاداته الفردية في تحسين اداء أو زيادة ناتج معين.هناك مقولة جرى التعامل الخاطىء معها بالرغم من صحتها في الواقع وهي ان النظام السابق مسح الحياة السياسية التعددية من الوجود، وهذا صحيح تماماً، لكنها حقيقة للتأسيس والبناء وليس لاستمرار التردي، كان يجب أن تفيد منها الاحزاب الجديدة، لاسيما انها كانت تنسق أعمالها وخططها وبرامجها وتفاهماتها قبل الاحتلال بسنوات طويلة عبر مؤتمرات وتجمعات، كان اخرها مؤتمر لندن الهزيل لاقتسام الغنيمة قبل اصطيادها.اذا كان العذر في غياب خبرة التعددية في الارث العراقي لثلاثة أو أربعة عقود، فما العذر بعد ثماني عشرة سنة ونحن نراوح أمام فشل التفاهمات السياسية لأبسط سبب؟وما العذر في الجوانب الاقتصادية أو التنموية أو العامة؟ اذْ كانت هناك بنية أساسية للدولة وأزيل عنها الغلاف السياسي السابق، وكان ينبغي اعادة ترميمها وتشغيلها وتجديدها بأقصى سرعة، وقد توافرت أموال هائلة لم تتوافر لدولة عربية بهذه السهولة من قبل، وتحت راع هو صاحب الصفقة الكبرى في التغيير ، وقد حكم فعلياً اكثر من سبع سنوات .لا يعني شيئاً أبداً، مضي السنين من دون أن يكون هناك بناء مواز لهذا التقادم الزمني الذي يذهب أدراج الرياح .هناك نقطة لابدّ التوقف عندها مهما كانت الخسائر أو التنازلات أو التضحيات، من أجل الانعطاف لبناء جديد ، وإلا فإنَّ المصير يتجه نحو هاوية متعددة الابعاد، منها التقسيم وانهيار العملة والاقتتال الداخلي والتدخلات الخارجية وفشل الدولة مجدداً. حقاً لم تعد للبلد خيارات كثيرة، وانما هي محددة في العودة للثوابت شرطاً اساسياً، كما انّ الزمن المتاح لم يعد واسعاً. والحاكم الذي لا يقدر على النهوض بمسؤولية قرارات تاريخية انعطافية لا يستحق وصفاً أفضل مما ناله سابقوه.