الشهداء ومسؤولية التقدير
يحيى حسين زامل
لا يعرف التاريخ الحربي المعاصر معركة أقسى واشد من معارك تحرير العراق من عصابات داعش الإجرامية، اذ تصدى العراقيون بكل جهدهم للدفاع عن بلادهم لمواجهة هجمة وحشية لعصابات متطرفة اجتمعت فلولها من كثير من بلدان العالم لتأسيس ولاية مزعومة خارج إطار الثقافة والجغرافيا وحتى التاريخ ، فلم تكن المنطقة في يوم ما بؤرة للتطرف والتشدد، بل كانت نسيجًا موزائيكيًا من الاديان والمذاهب والأقليات، وعلى مر العصور كان هناك تعايش واندماج وتشارك في الحياة الاجتماعية لتلك المناطق المشتركة. وقدم العراقيون في هذه المواجهة أعزّ ما يملكون وهي النفس و”الجود بالنفس اقصى غاية الجود”، وضحوا في طريق التحرير بأبنائهم، فضلا عن شيوخهم الذين شاركوا في هذه المعارك كجزء من الوفاء لأرضهم وشرفهم وعرضهم، فكان أن هب الكبير والصغير استجابة لفتوى “الجهاد الكفائي” التي نعيش ذكراها في هذه الأيام، فتركوا أسرهم وأعمالهم متوجهين إلى ساحة المواجهة مع أعتى هجمة متوحشة منذ هجوم المغول على بغداد بقيادة هولاكو. فسقط الكثيرون من الشهداء وجُرح الأكثر، وخلّفوا وراء ظهورهم أرامل وأيتاما، لا سيما أن جُل الشهداء من الطبقة الفقيرة والمسحوقة من أبناء المجتمع، والكثير منهم لا يملك شبرّا في هذا الوطن أو سكنًا، وإن ملك فإنه في الغالب يكون في الهوامش أو أطراف المدن. لذلك ومن باب الوفاء لأسر الشهداء، ان يُضمن لهم قوت يومهم وسكن مناسب لهم، تصان فيهم كرامتهم وتحفظ فيه شهداءهم، وحتى لا تنكسر رمزية وقدسية “الشهيد” ولا نسمع ندمًا ولا عتبًا من هنا أو هناك. فهذه مسؤولية تشاركية يجب أن يشارك فيها جميع ابناء الوطن، خصوصا الحكومة التي يقع على عاتقها الجزء الاكبر، وكذلك الشخصيات التي لها الثقل الاجتماعي في المجتمع، فضلا عن عامة الشعب، فالشهداء يستحقون منا التقدير والعرفان وأسرهم تستحق الكرامة والاحترام، وأخيرًا فالشهادة فعل وليس قولا، وهي في السماء محبورة وفي الارض مشكورة.. والشهداء لا يتبعهم الغاوون.