المسيحيون في العراق بين اليوم وامس
في عراق اليوم، يقدّر عدد المسيحيين بنحو 400 ألف شخص ما يوازي واحد بالمئة من مجموع العراقيين الذين يصل عددهم إلى 40 مليون شخص. إلا أنّ ذلك لا يعكس بالضرورة الوجود الفعلي لهؤلاء على مرّ التاريخ خاصة مع هجرة مئات الآلاف منهم في السنوات الأخيرة. كما أنّ ذلك لا يقلّص من أهمية هذه الأقلية التي لها تاريخ كبير ودور هام لعبته في الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية العراقية.
الكنيسة الشرقية
ينحدر مسيحيو العراق من الكنيسة الكلدانية التي تعود الى ما قبل القرن السابع الميلادي. فهذه الكنسية أسّست على يد مار توما الذي كان متجهاً الى الهند. ويعتبر المؤرخون أنّ أولى الكنائس العراقية بنيت عام 70 ميلادي حين قام أتباع مار توما بتبشير الوثنيين واليهود الذين كانوا يعيشون في تلك المنطقة. ومنذ ذلك الوقت اطلق على تلك الكنيسة اسم “كنسية الشرق”.
وقد امتدت هذه الكنيسة خلال القرون الاولى لتصل الى الصين ومنغوليا واليابان وقبرص وجنوب اليمن. فخلال القرن الثاني عشر والثالث عشر ضمّت كنيسة الشرق اكثر من مئتي دير وكانت تمثّل حينها نصف عدد المسيحيين في العالم.
وحتى القرن السابع مع الفتوحات الإسلامية كان المسيحيون يشكّلون أغلب سكان المشرق العربي. وقد عرفت التبادلات الثقافية بين المسلمين والمسيحيين في تلك المنطقة عصرها الذهبي بين القرن التاسع والقرن الثالث عشر. إلا أنّه ابتداءً من القرن الرابع عشر، ستبدأ أعداد المسيحيين بالتراجع في منطقة الشرق الأوسط بشكل عام.
المسيحيون في تاريخ العراق الحديث
ثلثا المسيحيين العراقيين هم من الكاثوليك، من ضمنهم الكلدان والآشوريين والسريان والارمن الكاثوليك، أما الثلث الباقي فهو من الأرثوذكس. ومعظم هذه الكنائس موجودة في شمال العراق ولكن هناك البعض منها في بغداد او حتى في البصرة جنوب البلاد.
عند بداية القرن العشرين، كان مسيحيو العراق يمثلون نسبة 30 بالمئة من عدد السكان الإجمالي إلاّ انهم اضطروا لمغادرة البلاد بسبب الاضطهادات والحروب. فالآشوريون مثلاً تعرّضوا لمذبحة عام 1932 على يد الجيش العراقي بعد ان اتهموا بالعمالة لصالح الجيش البريطاني.
كذلك فقد تعرضت خلال تلك الفترة العديد من القرى المسيحية إلى التدمير مع تخريب العديد من الكنائس والأديرة.
وقد تجددت رواية “العمالة مع المحتلّ الغربي” عند الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 ما شكّل بداية الازمات الحديثة التي عرفها مسيحيو العراق. اغتيال الأسقف الكلداني لمدينة الموصل، المونسينيور باولس فاراج راحو عام 2008 دفع بالكثير من المسيحيين الى الهجرة.
أمّا المأساة الأبرز، فتمثّلت باحتلال تنظيم الدولة الاسلامية لهضبة نينوى في عام 2014، ما تسبب بترك 150 ألف مسيحي أراضيهم في تلك المنطقة. الأمر نفسه تجدد في قرقوش حيث خلت المدينة من جميع سكانها في ليلة واحدة، في السادس من أغسطس من العام نفسه.
وبالرغم من المآسي المتعددة التي عرفوها في تاريخهم، ظهر مرة جديدة تمسّك المسيحيين العراقيين بوطنهم بعد هزيمة تنظيم الدولة الاسلامية حيث سجلت عودة الكثيرين منهم الى قراهم ومدنهم حتى ولو أنّ القسم الاكبر منهم موجود خارج البلاد.