زيارة البابا.. تاريخ يكتب ثانية لبلد الحضارات
منذ إعلان البابا زيارة العراق وجميع العراقيين مهتمون بهذه الزيارة لما تحمله من دلالات انسانية خاصة بلقائه السيد السيستاني وعدداً من المدن مثل ذي قار والموصل فضلاً عن بغداد واربيل.
وكالة الأنباء العراقية ،استطلعت آراء خبراء ورجال دين بشأن اهمية هذه الزيارة وما تشكله من دعمٍ للعراق على المستوى الاقليمي والدولي.
أستاذ مادة تاريخ العلاقات الدولية في كلية العلوم السياسية في جامعة الكوفة الدكتور صباح الفتلاوي قال لواع: إن “زيارة البابا فرنسيس للعراق تاريخية لأن البابا بعد أن أعتزل العالم بسبب جائحة كورونا قرر أن يخرج وان يزور العراق من بين كل الدول التي تتمنى زيارته”، لافتاً إلى أن ” الزيارة قد تكون مرتبطة أيضا بإرادة البابا في تحقيقه حلماً فاتيكانياً قديماً بالحج إلى مسقط رأس النبي إبراهيم عليه السلام ” .
بينما يرى الأب فائز بشير راعي ورئيس الطائفة الانكليكانية المسيحية في العراق هذه الزيارة مهمة جداً وقال لوكالة الأنباء العراقية ،إنها: “زيارة مهمة للعراق وخصوصاً في ظل ظروف الراهنة”، مبيناً أن ” الزيارة قد تفتح أبواباً وآفاقاً نحو سلم أكثر وتعايش أكثر نحو لملمة ورص صفوف العراقيين من مختلف الأديان والمذاهب والمعتقدات”.
وأضاف الأب فائز أن” شخصية البابا تتسم بالسلام والمحبة وأمنياتنا أن تكون هذه الزيارة مؤثرة تأثير مباشر في بلدنا من جانب السلم والسلام والمحبة التي نفتقد لها من سنين ومشاركة بعضنا البعض بالأديان والمعتقدات الأخرى”
توثيق الزيارة
وأوضح راعي الطائفة الانكليكانية المسيحية أن ” بعض المسيحيين طالبوا بأن توثق في هذه الزيارة بعض الأمور التي تخص قضاياهم”، مشيراً الى أن ” الزيارة سوف تفتح أبواباً وآفاقاً كثيرة قد نستفيد منها نحن كعراقيين والمكون المسيحي بشكل خاص “.
وتابع الأب فائز قوله : ” نحن دائما نذكر انه هناك يجب أن تكون مراجعة للدستور بما يخص المكون المسيحي لأننا نرى أن المكون المسيحي لم يأخذ حقه بالشكل الصحيح منذ أن كتب الدستور منذ 2005 العام وحتى هذا اليوم “.
ووصف الفائز البابا انه ” يحمل صفتين الصفة الدينية وصفة رئيس دولة الفاتيكان ونراقب زيارته كرئيس إلى مصر ولقاءه بالشيخ احمد الطيب شيخ الأزهر وزيارته إلى دولة الإمارات وجميعها بلدان غالبية سكانها من المسلمين”.
وعن زيارة البابا إلى النجف قال إن “السيد السيستاني راعي السلام في العراق والمرجع الأول في العراق له مكانة كبيرة وله مواقفه من خلال الفتاوى التي بفضلها عبرنا مراحل كثيرة من الخطر كما نأمل أن تكون زيارة البابا إلى المواقع الأثرية انطلاقة للاهتمام بها دوليا ومحليا هذه المواقع نادرة جدا بالعالم ومهملة من قبل السلطات ومن قبل الدولة “.
وختم قوله ” أن زيارة البابا لبلد مسلم هذا هو المعنى الكبير فهو يعني احترامه لهذا البلد واحترامه للمسلمين بشقيهم الشيعة والسنة وأيضا احترام للطوائف الأخرى والمكونات الأخرى هذا هو الشيء الذي يجب أن ننظر له وهذا هو الأساس “.
مبادرة قوية
بدوره، قال الأب حنا قلو قس لكنيسة مريم العذراء في بغداد لوكالة الانباء العراقية .إن “زيارة البابا فرنسيس مهمة لأنها تهدف إلى زيادة الترابط بين مكونات الشعب العراقي وتدعو للسلام ، الذي يحتاجه العراق الذي مرّ بصعوبات كثيرة وتألم شعبه بشكل كبير، زيارة البابا ليست متأخرة بل جاءت في وقت حاسم، ليغيّر الكثير من الأفكار ويساعد على زيادة الوعي للقيام بعراق جديد وآمن”، مؤكد ان “زيارة البابا فرنسيس لها أهمية للمنطقة لان العراق موقعه هو موقع ستراتيجي ومهم في المنطقة وسيساعد في توجيه النظر إلى العراق مهد الحضارات وفيه توجد أماكن مقدسة كثيرة، بغض النظر فأن التعايش السلمي بين مكونات الشعب العراقي هو أساس زيارة البابا لتشجيع وإعطاء أمل ورجاء لهذا الشعب لان البابا فرنسيس شخصية عالمية ورمز عالمي مشهور جدا”.
واضاف ان ” مبادرة البابا قوية ومهمة كون هذه الزيارة هي الأولى للعراق في التاريخ والسبب الثاني أن هذه الزيارة تأتي بعد إيقاف الرحلات الجوية الخارجية لقداسة البابا لما يقارب الـ 15 شهراً إذ لم يقم بزيارة اي بلد طوال فترة جائحة كورونا، وحاليا لا يزال الفايروس يهدد حياة الكثير ولكن البابا اصرّ على زيارة العراق وقال انه لن يخيب امل العراقيين من جديد، وأيضا زيارة البابا فرنسيس هي رسالة رجاء للمسيحيين في العراق للبقاء على ارض آبائهم وأجدادهم والتمسك بها”
وأكد حنا ،” أن المسيحيين من أبناء الوطن الأصليين وهم جزء لا يتجزأ من هذا الوطن ولهم حقوق وواجبات حالهم حال أي مكوّن آخر، بالتأكيد زيارة البابا يجب أن تزيد النظر بحقوق مكونات الشعب العراقي كافةً وليس فقط المسيحيين كون العراق يمرّ بظروف صعبة جدا، وان زيارة البابا يجب ان تنعش الوجود المسيحي في العراق وان تُعطى الفرصة للمسيحيين في هذا البلد العزيز على قلوبهم ويجب الأخذ بنظر الاعتبار حقوقهم وهذا يقع على عاتق الحكومة في تحقيق العدالة الاجتماعية والنظر بحقوق جميع مكونات الشعب العراقي كافةً”
لقاء الاديان
وأضاف الأب حنا قلو أن “العراق يملك أماكن أثرية مقدسة وهي كثيرة جدا وهذا ما يثبت أن العراق هو مهد الحضارات وبالتأكيد يجب أن تساعد زيارة البابا لهذه الأماكن على إعادة تأهيلها لتكون أماكن قابلة للزيارة من قِبل الجميع في أنحاء العالم إذ أنّ السياحة الدينية من الممكن أيضا أن تنعش خزينة الدولة العراقية”، لافتاً إلى أن ” المسيحيين يملكون اماكن مقدسة عديدة وقديمة جدا فلَو تمت اعادة ترميمها ستساعد كثيراً على جذب الحجاج من اوروبا ومختلف انحاء العالم، وبغض النظر عن هذا كان لابد ان يتم الاهتمام بهذه الاماكن المقدسة ولكل الديانات الموجودة في العراق كون هذا يدلّ على ان العراق يمتزج فيه الكثير من الالوان وهو معقل لكل الحضارات والديانات وهذا ما يجعله من اهم واكثر الدول التي يسكن فيها اناس كثيرون من عدّة ديانات”
وتابع أن ” قداسة البابا فرنسيس وسماحة السيد علي السيستاني هما شخصيتان بارزتان ورمزان دينيان معروفان، فكل واحد منهما يمثل شعب وكل واحد منهما يمثل ديانة مهمة في العالم كون البابا يمثل الكنيسة الكاثوليكية والسيد السيستاني يمثل شريحة كبيرة من المسلمين في العراق والعالم ، ولقاؤهما المرتقب سيكون تاريخياً بحت كون هذين الشخصين حكيمين جدا ولقائهما سيساعد جدا على زيادة أواصر التواصل والتعايش وتقوية النسيج الاجتماعي بين المسيحيين والمسلمين”.
واشار الى ان ” للبابا مواقف جدا جميلة مع المسلمين اذ فتح الأبواب امام اللاجئين المسلمين واحتضنهم واهتم بهم ابان الهجرة التي حدثت في السنوات الاخيرة وكذلك السيد السيستاني له مواقف جميلة جدا في الدفاع عن حقوق الاقليات وحقوق الشعب العراقي عامةً ولا ننسى دوره الفعال والغني في عام 2014 للوقوف ضد هجمات داعش ولما كان لفتواه صدى عميق شجّع على صمود الشعب العراقي وتشجيعه، لذلك هذا اللقاء سيكون لقاءً اخوياً ولا ننسى عنوان زيارة البابا الذي يحمل عنوان (أنتم جميعاً أخوة) للاشارة على ان كل شخص يعيش في هذا العراق العظيم هو أخ للآخر وكلنا نعلم أن الإخوة هي ما تزيد التعايش بين الجميع”.
وشدد على ان ” زيارة البابا هي رسالة الى العالم اجمع للتأكيد على ضرورة التسامح والتعايش السلمي بين الجميع بغض ان النظر عن دياناتهم ومعتقداتهم او لونهم أو جنسهم، التعايش والتسامح هما ما يجب تحقيقهما في هذا العالم اذ ان الله خلق الجميع كأخوة وبمحبة لذا لابد علينا ان نركّز على هذه النقطة المهمة في حياة كل شخص منّا، ليكون الدين لله ووطننا للجميع لنعيش بأمن وسلام واستقرار ولنرفع شأن بلدنا الحبيب العراق الذي هو مهد الحضارات وفخرنا الأول والأخير وكلّنا فخر أن قداسة البابا فرنسيس سيزور هذا البلد في ظل هذه الظروف الصعبة لكي يعطي الأمل والرجاء والسلام لقلوب جميع ساكنيه ونأمل أن تكون بداية التغيير نحو الأفضل للعراق “.
رؤية البابا
من جانبه، قال الدكتور عماد الهلالي الأستاذ المساعد في مقارنة الأديان لواع إن ” للعراق أهمية قصوى لأنه مهد المسيحية ويضم أكثر من 15 طائفة وفرقة مسيحية في العالم فرئيس الفرقة الأشورية في العالم هو موجود في العراق وأهم مسيحيي الشرق هم الكلدان والاشور أيضا مقراتهم ولغاتهم الرسمية في العراق ” ووصف الهلالي زيارة البابا إلى العراق بأنها تعود إلى أسباب تتعلق بشخصية البابا نفسه ” فبلاد الرافدين وهي الأرض التاريخية في الذاكرة الأزلية المسيحية والسبب الآخر هو ما نشأ عليه البابا في طفولته من عوز وحرمان في الأرجنتين ومسيرة وصوله إلى كرسي البابوية وكيف تمكن من الكشف عن ذاته ومقدراته “.
وتابع أستاذ الأديان قوله باستذكار الفيلسوف جان جاك روسو وقال ” أن في كتابه “الاعترافات” الذي تحول إلى فلم يحمل عنوان البابوين وهو من أشهر الأفلام التي تحدثت عن حياة البابا الحالي يحكي في الفلم كيف نشا من طبقة فقيرة وكيف عاش مع الفقراء والمساكين ومع المحرومين لهذا هو سيجازف سوف ويدخل ارض العراق المنكوبة والأوضاع الموجودة فهو سوف يدخلها بكل جرأة لأنه عاش هذه الطفولة القاسية والصعبة في الأرجنتين”
وقصة أخرى يذكرها الهلالي ،” أنا اذكر في زيارة البابا إلى الفلبين التي هي ثاني بلد مسيحي كاثوليكي في العالم كانوا هناك قد أعدوا خطاباً رسمياً للبابا باللغة اللاتينية وهي اللغة الرسمية للفاتيكان ليلقيها على الجمهور ولكن نرى فجأة فتاة عمرها 12 عاماً تلقي بنفسها في أحضان البابا وتقول له ” يا أبانا ما ذنبي عمري 12 سنة وأبيع نفسي في الشوارع من يتحمل هذه المسؤولية فنرى البابا حقيقة بكل جرأة يأتيها بالجواب الأتي : من جنى عليك هذه الجريمة نحن المقصرون وانا المقصر وانا المسؤول عن هذه الجريمة فنرى البابا في اجتماع الكاردينالات يحذف خطابه بواسطة البنت و يلوم الكنيسة الكاثوليكية ويلوم نفسه ويقول قصرنا بحق هذي البنت”.
ويطرح الهلالي تساؤله”هل يا ترى البابا يستطيع في العراق أن يقوم بمثل هذه العمل في البلد المملوء بالمظلومين والمحرومين والفقراء فهو قرر أن يأتي ويزور العراق وعلى الخصوص أور في محافظة الناصرية التي مازالت تلتهب بالمتظاهرين والتظاهرات “.
وختم قوله بان “الزيارة هي واقعة مهمة لأنها الأولى في التاريخ التي يلتقي البابا صاحب الكرسي الرسولي مع السيد علي السيستاني وهذا أول اللقاء سوف يكون بين زعيمين من طائفة الكاثوليكية و طائفة الشيعية على المستوى العالم باجمعه فهذه سوف تكون أهم حادثة ستسجل في تاريخ الفاتيكان وفي تاريخ النجف وأيضا أول حالة ستقع في التاريخ اللقاء بين زعيمين كاثوليكي وشيعي”.