الوباء
حميد طارش
ربما ما قاله مدير منظمة الصحة العالمية تيدروس عن الوباء بأنه «حقيقة من حقائق الحياة» كان تذكيراً لنا بهذه الحقيقة المرّة، الحقيقة التي نسيناها وهي أن التاريخ والحياة معاً مليئان بالاوبئة ومن مختلف الانواع!، كما ان التاريخ اخبرنا مراراً عنها ونقل لنا المآسي المرّوعة وكيف ان الانسان كان يصارع من اجل البقاء، فوباء الطاعون الدملي الذي سمي «الموت الاسود» والذي ضرب العالم للمدة(1347-1351) مخلفاً وفاة (200) مليون شخص حول العالم والمفارقة انه نشأ في الصين وانتقل الى ايطاليا ثم انحاء اوروبا وبعدها انتشر في مختلف دول العالم، اما وباء الانفلونزا الاسبانية في عام 1918 فقد خلّف وفاة(50) مليون شخص، ليفوق ضحايا الحرب العالمية الاولى، بأكثر من ثلاثة اضعاف، واليوم تصرح الولايات المتحدة الاميركية بان عدد ضحايا جائحة كورونا تجاوز عدد ضحاياها في الحرب العالمية الثانية، كما ان الاوبئة ادت الى انهيار بعض الانظمة السياسية و تغيير جغرافية القوة والاقتصاد والثقافة والسلوك.ربما المفاجأة بظهور الوباء وعدم التعامل معه كحقيقة من قبل البعض، كان بسبب غياب الاوبئة لقرن من الزمان، باستثناء اوبئة كانت محدودة التأثير والضحايا، ما يعني أن اجيال البشر الحالية لم تشهد الاوبئة وتراها بانها مأساة تاريخية مرّت ولنتعود.
لكن الحقيقة أن جميع مآسي التاريخ من أوبئة وحروب وكوارث طبيعية وغيرها قابلة للتكرار، او كما وصفها الدكتور تيدروس بانها من حقائق الحياة، لكنه قد يقصد بان الاسباب كانت ومازالت وستظل قائمة بسبب سلوك الانسان والمجتمع والحكومات المخالف لمراعاة الانظمة الصحية او الجشع في العلاقة مع الطبيعة التي انتجت التغيّر المناخي وما نجم عنه من اوبئة وامراض او طغيان المال والمصالح الضيقة على حساب التعاون الدولي الجاد من اجل ارض وحياة خالية من الاوبئة.