قانون جديد للعمل في العراق.. يوقف استنزاف القطاع العام ويزيد رواتب الخاص
يقترب العراق من تشريع قانون جديد للتقاعد والضمان الاجتماعي، يضمن تحسين أوضاع العاملين في جميع المشاريع التجارية والصناعية والترفيهية الخاصة للمرة الأولى منذ عقود، ويجعلهم يحصلون على تقاعد في نهاية خدمتهم، مشابهاً لما هو معمول به في القطاع العام، الذي يشهد إقبالاً كبيراً من جانب الشباب العراقي لهذه الميزة.
وينص القانون الجديد على شمول شرائح واسعة من العاملين في المهن وجميع النشاطات الاقتصادية الخاصة بالضمان الاجتماعي، مثل سائقي سيارات الأجرة والنقل الخاص وأصحاب المحال التجارية والورش الصناعية وغيرها من النشاطات التي تهم حياة المجتمع اليومية، لتكون أول خطوة على طريق وقف الزحف الشعبي نحو القطاع العام للحصول على وظائف.
وقف توسع القطاع العام
ومنذ سقوط نظام صدام حسين عام 2003، فتحت الحكومات العراقية المتعاقبة وبضغط من الأحزاب المشاركة في العملية السياسية، الباب واسعاً أمام التعيينات في دوائر الدولة، كجزء مهم من حملتها الدعائية للانتخابات، الأمر الذي رفع عدد العاملين في القطاع العام من 850 ألفاً عام 2003 إلى أربعة ملايين ونصف المليون موظف وعامل يتقاضون حوالى 46 تريليون دينار عراقي (31 مليار دولار) سنوياً.
ومع هذه الزيادة المرعبة في أعداد العاملين في القطاع العام وعجز الدولة عن تسديد رواتب جزء كبير منهم، إلا عن طريق الاقتراض واستيعاب أعداد جديدة من العاملين فيه، فإن حكومة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي تهدف من خلال القانون الجديد إلى تحويل الإقبال من القطاع العام إلى الخاص، وإقناع الشباب العراقي بالعمل فيه بدلاً من التوسط ودفع الرشاوى للحصول على وظيفة محدودة الأجر.
350 ألف دينار كحدّ أدنى
وقال وزير العمل والشؤون الاجتماعية العراقي عادل الركابي إن القانون الجديد، يتضمن تحديد حد أدنى لتقاعد العامل في القطاع الخاص بما لا يقل عن 350 ألف دينار عراقي (ما يقارب 250 دولاراً) وإلزام صاحب العمل أن يأخذ في الاعتبار المؤهل الدراسي للموظف قبل احتساب أجره.
وأضاف، أن “مشروع قانون التقاعد والضمان الاجتماعي للعمال في طور التشريع حالياً، وهو قانون جديد سيحلّ محل قانون التقاعد والضمان الاجتماعي للعمال الصادر عام 1971، وأجريت في القانون الجديد تعديلات جوهرية”.
وينص القانون الجديد أيضاً على استحقاق الرجل للراتب التقاعدي إذا كانت لديه خدمة مضمونة تصل إلى 30 عاماً وعمره 50 سنة، وبالنسبة إلى المرأة إذا كانت لديها خدمة مضمونة لـ 25 سنة وتكون بعمر 50 سنة، فهي تستحق الراتب التقاعدي. كما ينص على إحالة المرأة إلى التقاعد في أي سن كانت، إذا كان لديها ثلاثة أطفال وخدمة 15 سنة.
فيما يحدد العمر التقاعدي بعمر 63 سنة بالنسبة إلى الرجل الذي لديه 15 سنة خدمة و58 سنة بالنسبة إلى المرأة.
يُدرس من قبل نقابات العمال
ويتوقع عضو لجنة العمل والشؤون الاجتماعية والهجرة والمهجرين حسين عرب إقرار القانون في الفصل التشريعي المقبل بعد دراسته دراسة مستفيضة من قبل النقابات العمالية، لافتاً إلى أن القانون يلبي طموح العمال وسينشّط الحركة الاقتصادية في البلد.
ويضيف “القانون يدعم حقوق العمال وسيزيد راتبهم التقاعدي، فضلاً عن الحفاظ على حقوقهم”، موضحاً أن القانون واسع وسيكون هناك عدد من الورش لاستضافة جميع المعنيين من اللجنة القانونية والمالية، وستكون هناك آراء عدة من الجهات المعنية به.
ويشير عرب إلى أن اللجنة تسعى إلى أن يلبّي القانون طموح العمال والحصول على قطاع عمالي يضمن الحقوق التقاعدية لموظفي القطاع الخاص، خصوصاً أن له تأثيراً في تنشيط الحركة الاقتصادية بالبلد.
تنشيط القطاع الخاص
ويرى خبراء اقتصاد أن القانون سيسهم في حال إقراره بتنشيط القطاع الخاص وجعله الوجهة الأكبر للاقتصاد العراقي بدلاً من القطاع العام، الذي وصل إلى حد الشلل التام بسبب توسعه في التوظيف من دون حسابات اقتصادية.
ويصف الخبير الاقتصادي باسم أنطوان قانون العمل القديم بـ”البائس والخجول”، ومضى عليه أكثر من 50 عاماً، ويعتبر تغييره مهماً جداً، لا سيما في ظل الراتب التقاعدي القليل الذي يتقاضاه العامل من صندوق الضمان.
ويضيف أن “العامل وفق القانون السابق، يدفع خمسة في المئة من أجره ورب العمل يدفع 12 في المئة ويتم دعم الباقي من قبل الدولة، إلا أن الراتب التقاعدي للعامل يبلغ 200 ألف دينار (137 دولاراً)، فيما أن أقرانه في القطاع العام يصل راتبهم في بعض الأحيان ما بين مليون إلى مليون ونصف المليون (700 إلى 1000 دولار)، معرباً عن أمله في أن تكون هناك إرادة حقيقية في تشريع القانون الجديد الذي يحفظ كرامة العامل ويوفر له الراتب التقاعدي الذي يستحقه”.
ويرى أنطوان أن إقرار قانون الضمان الجديد وتفعيله سيعمل على دعم القطاع الخاص واستيعاب العمالة العاطلة وتخفيف الطلب على الوظائف الحكومية، لا سيما أن الوظيفة الحكومية تؤدي إلى الكسل والخمول، مؤكداً أن القطاع الخاص يزيد إنتاجية العامل إلى ضعفين أو ثلاثة أضعاف عن القطاع العام.
وسيسفر دفع ضمان للعمال من قبل رب العمل عن تنشيط القطاع الخاص، خصوصاً أن 180 ألف شخص يتخرّج سنوياً في الكليات والمعاهد بالاختصاصات كافة، فضلاً عن 300 إلى 400 ألف شخص يدخلون سوق العمل سنوياً ولا يجدون وظيفة بحسب أنطوان، الذي بيّن أن توفير الضمان الاجتماعي المجزي سيمتصّ البطالة والفقر، وسيرفع معدل النمو السنوي من ستة إلى 12 في المئة، ويحوّل العراقيين من مستهلكين إلى منتجين.
300 ألف عامل مضمون
وعلى الرغم من الفترة الطويلة التي تمت فيها مناقشة القانون بين مجلس النواب السابق ومجلس شورى الدولة لحين إقراره في مجلس الوزراء وإرساله إلى البرلمان، إلا أنه لا يخلو من انتقادات لبعض فقراته من قبل النقابات العمالية.
ويؤشر الأمين العام للاتحاد العام لعمال العراق عدنان الصفار إلى بعض البنود التي ما زالت موضع اعتراض من قبل نقابات العمال، لا سيما في ما يخص عمر العامل المضمون ونسبة الاستقطاع، موضحاً أن عدد المضمونين لا يتجاوز 300 ألف عامل من مجموع عدد هؤلاء الذي يتراوح بين خمسة إلى ستة ملايين عامل.
ويعلن الصفار “رفع السن التقاعدي في القانون الجديد من 60 إلى 63 سنة بالنسبة إلى الرجال ومن 55 إلى 58 سنة بالنسبة إلى النساء، إضافة إلى زيادة نسبة الاشتراك للعمال من خمسة في المئة في القانون القديم إلى سبعة في المئة بمسودة القانون الجديد”.
ويتحدث عن بعض الإيجابيات في القانون الجديد، التي تمثّلت في شمول العاطلين من العمل أو القطاع غير المنظم من العمال من خلال تسديد اشتراكات شهرية، ومن ثم يحصل على الراتب الأدنى للتقاعد الذي يقدر بـ350 ألف دينار (ما يقارب 250 دولاراً) إلا أنه يدعو إلى دعم هؤلاء العمال بتقليل الاشتراكات الشهرية التي تتراوح بين 40 إلى 50 ألف دينار (ما يقارب 27 إلى 34 دولاراً) شهرياً، والتي يصعب تسديدها من قبل العامل البسيط في القطاع غير المنظم.
ويختم “قدّمنا ملاحظاتنا إلى لجنة العمل في البرلمان العراقي لأخذها في الاعتبار”