سيدتي الرئيسة،
السيدات والسادة أعضاء مجلس الأمن الموقرون،
اسمحوا لي أن أبدأ مرة أخرى بإدانة الهجوم الصاروخي الدامي الذي وقع ليلة أمس في أربيل. حيث تشكل هذه المحاولات الطائشة لتأجيج التوترات تهديدات خطيرة لاستقرار العراق. فالتعاون الوثيق بين بغداد وأربيل لتقديم الجناة إلى العدالة أمر بالغ الأهمية الآن.
سيدتي الرئيسة، رحبنا بعام جديد يأمل فيه العراقيون بطي الصفحة على عدة جبهات: التعافي من الجائحة والانتخابات والإصلاح الاقتصادي وتعزيز سيادة القانون وتوفير بيئة أكثر أمناً للجميع.
والآن وبينما يقدم عام 2021 العديد من الفرص للتغيير العميق والإيجابي في تلك المجالات وغيرها، إلا أنه لا يزال هناك الكثير من العمل الذي ينبغي القيام به.
وكما أشرت في آخر إحاطة لي أمام هذا المجلس، فإن الأزمات المتعددة والمتشابكة التي يعاني منها العراق سيكون لها أثر دائم. لذلك فإن العمل الحاسم والمتضافر من أكثر الأمور إلحاحاً.
سيدتي الرئيسة،
يستمر العراق في مواجهة صعوبات مالية واقتصادية حادة، كما يتجلى في الخفض الاستثنائي لقيمة الدينار العراقي بما يزيد عن 20% في نهاية شهر كانون الأول الماضي.
وعلى الرغم من ذلك، أدى الارتفاع الذي يقترب من 40% في عوائد النفط منذ شهر تشرين الثاني 2020 إلى التخفيف من أزمة السيولة، موفراً متنفساً بسيطاً للحكومة.
والآن، من المنتظر أن تسمح الزيادة المستمرة المتوقعة في أسعار النفط للحكومة بالمضي قدماً فيما يتعلق بقضايا ملحة مثل تقديم الخدمات العامة ورواتب الموظفين الحكوميين.
ولكن للأسف، تم إحراز تقدم ثمين لكنه ضئيل في تنفيذ تدابير الإصلاح المطلوبة بشدة على النحو المبين في الورقة البيضاء الاقتصادية التي صدرت العام الماضي.
لهذا يجدر بنا أن نكرر أن العراق لا يمكنه أن يتحمل استمرار الاعتماد على استخلاص الموارد أو العبء المفرط لقطاع عام أكبر مما ينبغي.
وكما هو الحال دائماً، يجب أن تكون المعركة ضد الفساد الاقتصادي والسياسي وتعزيز الحوكمة القوية والشفافية والمساءلة هي الشعار الذي يصاحب هذا الإصلاح.
وكما أشرت باستمرار في الماضي، فقد تم إهدار العديد من الفرص للإصلاحات المُجدية والضرورية منذ عام 2003. وحان الوقت لإعطاء الأولوية للتنويع الاقتصادي المستدام وكذلك تنمية القطاع الخاص الذي يضيف للقيمة ويخلق فرص عمل.
وأكرر: إن الاعتماد على أسعار السلع المتقلبة ليس استراتيجية على الإطلاق، وفي نهاية المطاف لن يأتي إلا بنتائج عكسية.
سيدتي الرئيسة،
إن الاتفاقات على قانون ميزانية عام 2021 تتطلب مناخاً من المصالحة والتوافق بين بغداد وأربيل. وفي ذلك السياق، يؤسفني أن أبلغكم أن التوصل إلى اتفاق نهائي ودائم بشأن المسائل المتعلقة بالميزانية وقضايا أخرى أكبر لا يزال أمراً بعيد المنال. فالحقيقة المُرة هي أن القوانين الغائبة منذ عام 2005 لا تزال تعرقل قيام مفاوضات بناءة بين بغداد وأربيل؛ ومن تلك القوانين على سبيل المثال ما يتعلق بالنفط وتقاسم الإيرادات. وتتضمن مجالات الخلاف الأخرى مسألة المناطق المتنازع عليها.
ولم يتم حتى الآن تحديد برنامج أو جدول زمني لمعالجة هذه المسائل العالقة. وسوف يتبين لأولئك الذين تابعوا عن كثب المفاوضات التي جرت مؤخراً بشأن الميزانية، أن تلك المفاوضات لم تكن تتمحور حول المسائل الفنية فحسب – مثل عدد البراميل المنتجة في اليوم الواحد – وإنما كانت تتسم بطابع سياسي متأصل وتعكس استفحالاً للهواجس وانعدام الثقة.
وبالنظر إلى الدروس الوفيرة المستقاة من تاريخ العراق، يرى الكثيرون أن الوضع الراهن مخيب للآمال بشكل خاص.
ولذلك، دعوني أؤكد مرة أخرى أن العلاقة الإيجابية والمستقرة بين العراق الاتحادي وإقليم كردستان أمر ذو أهمية مطلقة لاستقرار البلد بأكمله.
وبالطبع، فإن تعزيز النظام الاتحادي في العراق وتدعيمه يتطلب تنازلات من الطرفين، وأن تتفق الممارسة الفعلية لكل طرف مع ما ينادي به؛ وأن يستخدم الجميع لغة معتدلة.
انتقل الآن إلى الجدول الزمني للانتخابات،
اتفق مجلس الوزراء بالتشاور مع المفوضية العليا المستقلة للانتخابات على تاريخ جديد لانتخابات العراق؛ وهو العاشر من تشرين الأول 2021 أي بعد التاريخ الذي كان مقرراً لها بأربعة أشهر.
وفي الوقت ذاته، أصدر البرلمان التشريع اللازم لتمويل الانتخابات، كما يجري، في جميع أنحاء البلاد، تسجيل المرشحين والتحالفات، فضلاً عن تحديثات سجلات الناخبين.
إلا أن البرلمان لم يضع بعد الصيغة النهائية لقانون المحكمة الاتحادية العليا العالق. وبما أن هذه المحكمة هي التي تصادق على نتائج الانتخابات، فلا يمكن قبول مزيد من التأخير؛ وأود أن أحث جميع الأطراف على الشروع فوراً بهذا الأمر لأن الإخفاق في ذلك لن يكون مفهوماً.
والآن، ولكي تجري انتخابات نزيهة، من الضروري أن تعمل جميع الأحزاب والمرشحين في مناخ حر وآمن، كما ينطبق ذلك على العاملين في وسائل الإعلام. وفي هذا الصدد، فإن الأحداث التي وقعت مؤخراً تثير قلقاً بالغاً، على أقل تقدير.
ومن هذا المنطلق، أدعو جميع الأطراف والجهات المعنية والسلطات إلى الجلوس معاً للاتفاق على “مدونة قواعد سلوك”، والسماح لجميع المرشحين العراقيين بالعمل بحرية؛ دون اعتبار للعرق أو نوع الجنس أو اللغة أو الدين أو المعتقد أو الخلفية.
ويجب أن يكون بوسع أي عراقي يرغب في المشاركة في هذه الانتخابات كمرشح أو عضو في حملة انتخابية، أن يقوم/تقوم بذلك دون أي خوف من الترهيب أو الاعتداء أو الاختطاف أو الاغتيال. ومن البديهي أنه يجب أن يشعر الناخبون بالحرية التامة في اختيار مرشحهم المفضل.
سيدتي الرئيسة، يوجد أمام هذا المجلس حالياً طلب من الحكومة العراقية بخصوص المراقبة الانتخابية. وأدرك أنه لم يُتخذ قرار بعد في هذا الخصوص، ولكني أود أن أغتنم هذه الفرصة للتأكيد على أهمية وضرورة تكوين فكرة واضحة.
وأنا أُخاطب مجلسكم الموَقَّر، أود أيضًا أن أؤكد أنه بغض النظر عن ردكم، فإن الانتخابات ستكون بقيادة عراقية ومملوكة للعراقيين في جميع الأوقات. وآمل بصدق أن تأخذ القيادة السياسية في العراق بأكملها هذا الأمر على محمل الجد. وعلى نفس القدر من الأهمية، رُغمَ أن الأمر لا يُفهَم كذلك دائماً: الأمم المتحدة لا تنحاز إلى أي طرف. استقلالنا وحيادنا يحددان هويتنا.
سيدتي الرئيسة، لقد أدركت أن الحقائق لا تسود دائماً، بل العكس هو الصحيح. ففي بعض الأحيان، تطغى التصورات على الحقائق بسهولة، والتي بدورها يمكن أن تتحول إلى وقائع خاطئة، بل وخطيرة – لكنها مقبولة.
وكما ذكرت في المرة السابقة، فإن المعلومات الخاطئة والمؤامرات سامَّة. وتتطلب الانتخابات النزيهة جهوداً جماعية ومتضافرة وفي الوقت المناسب وشفافة مع اضطلاع جميع الأحزاب والسلطات والأطراف المعنية بمسؤولياتهم في خدمة الشعب العراقي.
ويجب أن أقول، بعد أسابيع من التصريحات المربكة، تُشَّجعُني إلى حد ما التصريحات الأخيرة التي أدلى بها بعض كبار القادة السياسيين العراقيين، والتي أكدت بوضوح على أهمية إجراء انتخابات نزيهة، والدعوة إلى وحدة – الدولة والأمة – وبهوية وطنية شاملة.
سيدتي الرئيسة،
وحول الحاجة الملحة لمزيد من الشفافية والعدالة والمساءلة، اسمحوا لي أن أعلن بوضوح أن القمع وانتهاكات الحريات الأساسية – بما في ذلك حرية التعبير والتجمع السلمي – والاختفاء القسري والقتل المستهدف، كل ذلك لا مكان له في الديمقراطية.
ولسوء الحظ، لا تزال الشفافية والعدالة والمساءلة غائبة إلى حد كبير – لا سيما عندما يتعلق الأمر بقمع الاحتجاجات الشعبية في جميع أنحاء العراق، بما في ذلك في إقليم كردستان.
وإذا لم يتغير هذا الأمر، فإن الغضب العام سوف يندلع مرة أخرى عاجلاً أم آجلاً.
سيدتي الرئيسة،
على الرغم من أن العراقيين احتفلوا بالذكرى السنوية الثالثة لهزيمة داعش في الأراضي العراقية في كانون الأول الماضي، فإن الهجومين الانتحاريين الشنيعين مؤخراً على أحد الأسواق في بغداد، والذين أسفرا عن مقتل ثلاثين شخصاً على الأقل وإصابة أكثر من مئة، أظهرا بشكل مؤلم أنه لم يتم القضاء على التطرف العنيف بعد. وهذا الهجوم هو عمل جبان فظ وتذكير صارخ بأن العراق لا يمكن أن يكتفي بما حققه من انجازات.
وبالطبع، فإن تعزيز السلامة والأمن يتعلق بمعالجة الأسباب الجذرية للتطرف بقدر ما يتعلق بالقدرة الفورية على الاستجابة للتهديدات على الأرض.
سيدتي الرئيسة،
بالرغم من العمل في سياق جيوسياسي معقد بشكل فريد، يواصل القادة العراقيون الحفاظ على علاقات مفتوحة خدمة للسياسة الخارجية التي تؤكد على سيادة العراق.
وكما سمعتموني أوكد من قبل، لا يمكن المبالغة في التأكيد على مركزية العراق في الاستقرار الإقليمي. وينبغي على العراق أن يبني مرونة داخلية وأن يكون محمياً من التناحرات. ويشترك في هذه المسؤولية أولاً وأخيراً العراقيون وكذلك الأطراف الفاعلة الإقليمية والمجتمع الدولي ككل.
ومرة أخرى فإن المحاولات الطائشة لتأجيج التوترات – مثل الهجمات الصاروخية على أربيل ليلة أمس – تشكل تهديدات خطيرة لاستقرار العراق.
سيدتي الرئيسة، نتحول الآن إلى الوضع الإنساني:
عندما قدمت آخر إحاطة للمجلس، كانت الحكومة العراقية قد جددت جهودها لإغلاق مخيمات النازحين العراقيين- العديد منهم نساء وأطفال.
واستمرت عملية إغلاق المخيمات خلال الأشهر الثلاثة الماضية وأصبحت إمكانية المزيد من الإغلاقات وشيكة.
وفي شهر تشرين الثاني، سمعتموني أوكد فهمنا للمصلحة العراقية في إنهاء النزوح – بالفعل أؤكد ذلك – ولكنني أيضاً أكدت على أن هذه الإغلاقات ينبغي ألا تقود إلى نتائج غير مرغوب فيها مثل النزوح الثانوي أو عودة الناس إلى المناطق التي تفتقر إلى المأوي الكافي أو الخدمات الأساسية ومع ذلك وأثناء حديثنا الآن هذا هو ما يحدث للأسف.
واليوم، لا يسعني إلا أن أكرر ما قلته: إن التسرع والتعتيم المحيط بقرارات إغلاق المخيمات تثير قلق الكثيرين. لذلك مرة أخرى، أود أن أحذر من القرارات التي يمكن أن تؤدي بسهولة إلى أزمات أخرى.
ولاختصار القصة: لا يمكن أن يكون إغلاق المخيمات هدفاً في حد ذاته- بدلاً عن ذلك يجب أن يكون التركيز على تدابير آمنة وكريمة لحل مشكلة النزوح. وبالتالي فإننا نحث السلطات العراقية على التعجيل باعتماد وتنفيذ خطتها الوطنية للحلول المستدامة.
ولي ملاحظة منفصلة ولكنها ذات صلة، أود أن أذكِّر السلطات بما يقرب من 30 ألف عراقي يقيمون في مخيم “الهول” في سوريا بما في ذلك عدد من الحالات الإنسانية لعراقيين لا ينتمون لتنظيم داعش.
وكما نعلم جميعاً: إن مخيم “الهول” لا يزال بمثابة قنبلة موقوتة يمكن أن تنفجر، وإذا حدث ذلك سيكون تأثيره هائلاً. وكما في كل دولة، على العراق مسؤولية استعادة مواطنيه، ابتداءً بالحالات الإنسانية. لقد قُطِعت العديد من الوعود في الأشهر الماضية، وقد حان الوقت حقاً للوفاء بها. وأقول مرة أخرى: يتوجب التعامل على نحو عاجل، وبلا مزيد من التأخير، مع الحالات الإنسانية لمن لا ينتمون لتنظيم داعش.
سيدتي الرئيسة،
فيما يخص سنجار، وكما قلت سابقاً: لم يكن توقيع اتفاق تشرين الأول سوى الخطوة الأولى.
وخلال زيارتي إلى سنجار الشهر الماضي اتيحت لي مرة أخرى فرصة التواصل مع ممثلي ومسؤولي سنجار، وهناك أمر واحد واضح في هذا الصدد: هو الحاجة إلى الكثير من العمل في المستقبل. ويواصل المفسدون -المحليون منهم والخارجيون- إرباك المشهد.
لذا أود أن أشدد من جديد على أهمية تشكيل هياكل أمنية مستقرة بلا مزيد من التأخير، يلي ذلك تشكيل إدارة موحدة.
هناك بلا ريب حاجة ماسة لعمل المزيد على نحو موحد وبوتيرة أسرع.
سيدتي الرئيسة،
فيما يتعلق بموضوع المفقودين الكويتيين ورعايا البلدان الأخرى والممتلكات الكويتية المفقودة بما في ذلك المحفوظات الوطنية:
على الرغم من القيود المتواصلة على التنقل عقدت اللجنة الثلاثية واللجنة الفرعية الفنية بنجاح ما يشبه الاجتماعات عن بعد.
وأكدت اللجنة الإغلاق الرسمي لملفات قضايا عشرين مفقوداً كويتياً ومن رعايا البلدان الأخرى، ويعد هذا تقدماً مهماً يحرز بعد مرور 16 عاماً على آخر مرة تم التعرف فيها على رفات مفقودين. وأتقدم بخالص عزائي لأسر الضحايا الذين انتظروا هذه النتيجة لثلاثة عقود.
ويجسد العمل التحقيقي المتواصل لوزارة الدفاع العراقية التزام العراق بهذا الملف.
ومن الواضح أن التعاون الطويل الأمد بين العراق والكويت، بدعم قوي من اللجنة الثلاثية واللجنة الدولية للصليب الأحمر، يؤتي ثماره.
وأود أن أدعو جميع الشركاء إلى الاستفادة من زخم التقدم المحرز مؤخراً للمضي قدماً في البحث عن المفقودين.
اسمحي لي سيدتي الرئيسة في الختام أن أجدد التأكيد على أن إجراء انتخابات نزيهة تستلزم جهداً والتزاماً جماعيين نوعاً ما من كافة العراقيين.
ومن أجل أن تكون الانتخابات موضع ثقة، يتوجب رفض النظريات التي لا أساس لها ودحض الاتّهامات العارية عن الصحة وأن تحل المساءلة محل الترهيب. ولا بد من أن تسود الشفافية، ولا يمكن أن يكون الولاء للبيع.
يحدوني الأمل في هذه السنة الانتخابية البالغة الأهمية، سيدتي الرئيسة، أن يتمكن العراقيون من مواصلة الاعتماد على دعم المجلس وتضامنه الثابتين.